يتشابه البيت الأوغاريتي كثيراً مع بيوت أهل الجبال الساحلية الترابية التي اندثرت مع ظهور الأبنية الإسمنتية، ويختلف عنه بنوعية المواد المستخدمة في البناء، إضافة إلى وجود منازل طابقية في المدينة الحضارية الأقدم في العالم.

بلغ عدد سكان مدينة "أوغاريت" في ذروة ازدهارها وفقاً للحسابات التي أجراها الباحثون ومنهم "أ. شيفمان" الأستاذ في أكاديمية العلوم الروسية، في كتابه "مجتمع أوغاريت"، ما بين 2500 إلى 3500 نسمة، عاشوا في منطقة تبلع مساحتها نحو 25 هكتاراً، تشمل المدينة "المقدسة" حيث بناء القصر الملكي والمدينة الجنوبية ومحيطها خارج الأسوار حيث بيوت الفلاحين والعبيد.

لقد اتصفت "أوغاريت" بنمو الحركة العمرانية فيها، وأغلب بيوتها من طابقين، يلاصق بعضها بعضاً لتشكل أحياء تفصلها عن بعضها شوارع مستقيمة ومتوازية، تتقاطع عمودياً مع الشوارع الرئيسية للمدينة، وكانت بيوت السكن تقع في الأغلب في الطابق الثاني، حيث يؤدي إليه سلم خاص، وكانت تحتوي على مساحة خاصة بالحمام، وباقي "المنتفعات"

كما تتواجد اليوم فوارق بين بيوت الأغنياء والفقراء، فقد كان هناك فروق بين منازل الأوغاريتيين، يتحدث الأستاذ "عدنان سليمان" أستاذ مادة التاريخ في ثانويات "بانياس" عن ذلك، ويقول: «عادة المنازل الأوغاريتية الغنية كانت تتألف من طابقين، ومن عدة غرف وباحة في وسط المنزل، وغرفة للمؤونة، وكان يبنى البيت من الحجر الكلسي "الغشيم" كما يسمى الآن، ويتألف الحائط من طبقتين من الحجارة المنحوتة تفصل بينهما طبقة من الحجارة الصغيرة وأغصان الأشجار، مما يشكل عازلاً طبيعياً للبيت من ظروف الحر والقر معاً، وكان يوجد في فناء كل دار بئر ماء ذات جدران حجرية، تنتهي بحجر كبير منحوت يشكل غطاء للبئر، وإلى جانب البئر كان يوجد برميل فخاري أو جلدي لتعبئة المياه، وتحت الطابق الأرضي أو في الفناء كانت توجد مقبرة العائلة».

مقطع متخيل للبيت الأوغاريتي

أما منازل الفقراء، وهم من سكن خارج الأسوار الرسمية للمدينة، فيرجح أنها بنيت من الخشب، كما يقول الأستاذ "سليمان"، إذ لم يبق من آثارها شيء يذكر، ولربما ساعدت التنقيبات الأثرية خارج الأسوار يوماً ما في تقديم معلومات جديدة عن سكن هؤلاء، مع العلم أنه لم يكن هناك عاطلون عن العمل في المدينة التي وصلت تجارتها إلى مختلف أصقاع المتوسط.

وتشير المكتشفات الأثرية في المدينة، حسبما يذكر الآثاري "كلود شيفر" في كتابه "نصوص أوغاريت" إلى أن البيوت الأوغاريتية كانت تسقف بمواد من البيئة المحلية، حيث توضع في المرحلة الأولى مجموعة من جذوع الأشجار المنظفة والموضوعة في القطران -إن توافر- وتسند في منتصفها إلى عمود يشكل النقطة المركزية في البيت ويسمى "ساموك"، وهذه الكلمة بقيت في الاستخدام المحلي في الساحل السوري حتى وقت قريب، وكان يصنع من خشب الحور وينظف، ويوضع في أعلاه قوس معكوس على شكل حرف (V)، علماً أن كلمة "بيت" العربية هي نفسها في "الأوغاريتية".

مشهد عام للمنازل ويبدو بيت رحبانو

وتشير الكاتبة "فريال الشويكي" في كتابها "الزمن السعيد" إلى أن البيت الأوغاريتي كان يسقف باستخدام الطين الأبيض (الحوارة)، حيث يضاف إليه بعض الأنواع المحددة من أغصان الشجر، ويتم دحل المزيج بواسطة أداة حجرية تسمى "المعرجلة"، وقد بقيت تستخدم أيضاً طالما بقيت البيوت الترابية في الساحل السوري، وتساهم هذه العملية في خلق طبقة كتيمة تمنع مرور المياه إلى داخل البيوت.

يقول الباحث "شيفمان" في كتابه "ثقافة أوغاريت": «لقد اتصفت "أوغاريت" بنمو الحركة العمرانية فيها، وأغلب بيوتها من طابقين، يلاصق بعضها بعضاً لتشكل أحياء تفصلها عن بعضها شوارع مستقيمة ومتوازية، تتقاطع عمودياً مع الشوارع الرئيسية للمدينة، وكانت بيوت السكن تقع في الأغلب في الطابق الثاني، حيث يؤدي إليه سلم خاص، وكانت تحتوي على مساحة خاصة بالحمام، وباقي "المنتفعات"».

مقطع آخر للبيت الأوغاريتي

ويذكرنا هذا التصميم المعماري بالنمط المعاصر المسمى "ديلوكس" وله نفس المواصفات العمرانية.

أما القصور الملكية فقد بنيت بغاية الإبهار للزوار قبل أهل المدينة، وتصف مجلة "أوغاريتكا" لعام 1949 القصر الملكي الكبير وتقول: «توضع القصر على الطرف الشمالي الغربي للتل، وتبلغ مساحته حوالي 10 آلاف متر مربع، وجرى تجديده وتوسيعه لسنوات طويلة، ويطل على الشارع الرئيسي للمدينة من جهة الشمال، أما في القسم الشرقي فهناك باب يؤدي إلى الجناح الشرقي للقصر، وقد بني من الحجر وجرى تدعيمه بأعمدة مستطيلة الشكل، وكان يتألف من كثير من الأفنية الداخلية والغرف المتنوعة الاختصاصات، منها الأرشيف الملكي، وقاعات التدريس، وغرف النوم، ومدفن العائلة المالكة، واحتوى أحدها على حديقة، بينما احتوى الآخر على مسبح مساحته 8 في 6 متر».

وتذكر المجلة نفسها أن ملك جبيل "رب حدد" وصف للفرعون المصري عظمة الثروة في قصر "صور"، فقال له: «إنه يشبه قصر "أوغاريت"».

لم يبق من بيوت "أوغاريت" سوى بعض الجدران المتناثرة في أرجاء المدينة، فقد كان الزلزال الذي ضربها قوياً جداً إلى الحد الذي أسقط كل مبانيها أرضاً، وما على زائر المدينة اليوم سوى تخيل كيف كانت.