مهندس مدني نشأ وترعرع في ربوع محافظة اللاذقية، التي نالت حصتها من إبداعه الهندسي قبل أن تحمله رياح المستقبل إلى السعودية للعمل هناك، وككل المثابرين الأوفياء لم تغيّره حرارة الصحراء أو بعد المسافة بل استطاع بإرادته ونجاحه أن يترك بصمة فنية مميزة لعمل يعد اليوم من أهم المشاريع في منطقة "جدة".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ /18/11/2012/ المهندس "طلال ضويّا" المغترب في السعودية منذ ثلاث سنوات للحديث عن حياته وتجربته حيث قال: «درست الهندسة المدنية رغم أنني كنت من محبي الطب كمعظم أبناء جيلي، لكن ذلك لم يسبب لي أيّ معضلة فسرعان ما تأقلمت مع اختصاصي الجديد، وأنهيت تحصيلي العلمي في العام /1995/ من جامعة حلب، زملاء كثر لي درسوا الدبلوم، أما أنا فلم اقتنع بذلك لأنني قررت دخول الحياة العملية والوظيفية مباشرةً عبر مديرية الخدمات الفنية باللاذقية، وتحديداً مكتب خدمات جبلة، كان ذلك في نهاية عام 1997.

لقد نجح "طلال" لأنه يعيش الهندسة في حياته اليومية بدءاً من التزامه بتوقيت العمل وانتهاءً بعلاقاته المدروسة، وكأنّ ميزان الهندسة هو الأساس في شخصيته

ومن هنا بدأت قصة جديدة في حياتي، وشعور غريب انتابني بأنني يوماً ما سأكون مديراً لهذا المكان، وقد عبرت لأصدقائي في العمل عن هذا الشعور، وكثيراً ما كنت أردد هذه العبارة أنني لن أجلس على هذا الكرسي إلا وأنا مدير لهذه الدائرة، وهذا ما حدث فعلاً بتاريخ 27/1/2003، حيث بقيت مدة سبع سنوات وشهر واحد في منصب المدير، واستطعت خلالها أن أثبت نفسي وقدراتي».

أثناء زيارته الأماكن المقدسة

بعد سنوات من تجربته الإدارية شعر "ضويا" بأنه بحاجة إلى التغيير وخوض تجربة جديدة فقرر الاغتراب خارج سورية، وعن انطلاقته في المغترب ذكر بالقول: «خلال هذه السنوات السبعة اتصل بي أحد أصدقائي الذين يعملون بالسعودية يخبرني أن مؤسسته بحاجة لمدير لأحد المشاريع في الرياض، فعبرت عن رفضي للموضوع وبعد ثلاث سنوات عاود مرة أخرى واتصل بي وأخبرني بأن مشروع مستشفى بجدة يحتاج لمدير وطلبوا مني أن أحدثك ثانية، ففكرت في الموضوع فضلاً عن أنني كنت أحلم كثيراً بزيارة مكة والمدينة، وأيضاً لتحسين وضعي الاقتصادي الصعب من جهة ورغبة مني بخوض تجربة جديدة من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس قررت السفر، وقدمت اعتذاراً لمدير الخدمات الفنية لإعفائي من رئاسة مكتب الخدمات بجبلة، لأخوض مرحلة جديدة في حياتي».

يضيف: «وصلت "جدة" وتعرفت على عملي الجديد منذ اليوم الأول لوصولي، وكان العمل جديداً بل مختلفاً عن كل ما كنت أعمله بسورية، فالمشروع كان بناء مستشفى بكلفة 90 مليون ريال ( أي ما يساوي حاولي 1.5 مليار ليرة سورية )، ويشمل هذا العمل أنظمة كثيرة كهربائية وميكانيكية لم أعمل بها من قبل بل تستطيع أن تقول إنني لم أرها من قبل.

في جبلة

في الأيام الأولى من عملي أحسست بأنهم يريدون مديراً إدارياً فقط دون الحاجة الى معرفته بالأمور الفنية، لكن هذا لم يرق لي فأصبحت أتدخّل بكل الاختصاصات المعمارية والكهربائية والميكانيكية لكوني لم أعتد أن أكون واجهة فقط، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى أصبح كثيرون يستغربون كيف أن هذا المشروع هو أول مشروع أعمل به في السعودية».

تسلح المهندس السوري بالإرادة لكي ينجح بعمله، ومواجهته العديد من الصعوبات التي صادفته خلال مسرته، حدثنا عنها قائلاً: «مرت أيام عصيبة عليّ بالعمل، فمعظم الكادر الهندسي الموجود معي بالمشروع كان قليل الخبرة كثير التملص من المسؤولية، وصبرت كثيراً لأنني كنت مصراً أن أنجز ما بدأت به بأي طريقة، فما اعتدت عليه منذ طفولتي هو أن أترك بصمة في أي مكان أكون فيه تبقى بعد رحيلي عنه، وعندما وصلت للحظة النهاية وافتتح المشروع كنت في غاية السعادة، فلقد أنساني هذا اليوم تعب الأيام السابقة، وأكد لي صوابية قراري بالاستمرار بالعمل رغم كل المعوقات».

يعتبر المهندس "ضويا" مشروع المستشفى محطةً تاريخية ومفصلية في حياته المهنية: «لقد عبرت من خلال هذا العمل عن شخصيتي الهندسية ووضعت فيه جل ابداعي ولمساتي، واستطعت النهوض به إلى القمة، وهو يعتبر انجازاً شخصياً وعلامة فارقة في مسيرتي المهنية حتى الآن وبمجرد وجوده في سيرتي الذاتية فإنه كمن يشير إلى شخصيتي باصبعه».

"ضويا" تحدث عن علاقته بالوطن والحنين له: «خلال سنواتي الثلاثة في الغربة كان الحنين لوطني وأهلي وزوجتي وأولادي وأصدقائي كبيراً، وكنت حزيناً لأن الغربة سرقت مني لحظات جميلة جداً لن تتكرر، لأنك تشعر خارج الوطن بأن أي لحظة كنت تقضيها مع أهلك أو عائلتك أو أصدقائك كانت ثمينة جداً، فنحن هنا عبارة عن آلة تعمل فقط، وكل منا يقنع نفسه بأنه يتعب الآن ليعيش المستقبل الأجمل في بلده، لكن قليلون الذين وجدتهم هنا قد سافروا ثم عادوا وإذا عادوا فعودتهم كانت بعد سنوات طوال، تغير فيها كل شيء جميل قد تركوه في بلدهم».

وعن احتمال العودة إلى "سورية" قال بلهجة الواثق العاشق لبلده: «مضى على وجودي بالسعودية حوالي ثلاث سنوات وأفكر حالياً بالعودة بشكل نهائي أو على أقصى حد ربما أكمل السنتين المتبقيتين من الإجازة المسموحة لي بلا راتب، فمازال لدي أحلام كبيرة بوظيفتي لعل الخبرة التي اكتسبتها هنا ستكون إضافة جديدة لي بعملي، فلا أخفيك أنني أتمنى أن أصبح يوماً محافظاً للاذقية وأن أستطيع نقل المرفأ الى خارج المدينة (هذا من أعظم احلامي)، لأن مكان المرفأ قد سرق من اللاذقية أجمل شاطئ لها حيث يجب أن يستثمر بمشاريع سياحية أخرى، وأيضاً نقل المرفأ الى خارج اللاذقية سيمكننا من توسيعه ليستقبل السفن الكبيرة كمرفأ طرطوس (اعتبروا هذا الكلام تفكيراً مني بصوت عال، وبالطبع فهو يحتاج لتدقيق ودراسات لكنه حلم يراودني)».

المطلعون على تجربة المهندس "طلال ضويا" في المغترب يعتبرون أنه خير سفير للهندسة السورية إلى الخارج، وهنا يقول الكاتب المغترب في السعودية "رمزي ضويا": «"طلال" مهندس ناجح وقد استطاع خلال السنوات الثلاثة التي قضاها في المغترب أن يترك بصمة سورية بامتياز من خلال المستشفى الذي أدار عملية بنائه وأشرف على افتتاحه وإظهاره بأبهى حلة، وهو يعتبر من المشاريع الهامة جداً في مدينة "جدة" السعودية».

فيما يقول فنان الديكور "وائل طراف" وهو صديق المهندس "ضويا" في المغترب: «كنت على دراية تامة بالمشكلات الكبيرة التي كان يعانيها تنفيذ مشروع المستشفى، ولكنه كان على قدر كبير من المسؤولية، اذ استطاع إنجاز العمل ضمن ظروف قاسية جداً، حيث كان هناك فشل كبير في تنفيذ المراحل الأولى للمشروع بسبب قرارات وزارة العمل والتضييق على اليد العاملة الأجنبية، لكن "طلال" بسبب إرادته القوية وثقته بنفسه والتصميم على النجاح وصل بالمشروع إلى بر الأمان واستطاع لفت أنظار الجميع إلى ابداعه في العمل وحسن قيادته للمشروع».

صديقه في "سورية" المهندس "معين أبو غبرة" رئيس بلدية البرجان علل نجاح زميله في المغترب قائلاً: «لقد نجح "طلال" لأنه يعيش الهندسة في حياته اليومية بدءاً من التزامه بتوقيت العمل وانتهاءً بعلاقاته المدروسة، وكأنّ ميزان الهندسة هو الأساس في شخصيته».

من الجدير بالذكر أن المهندس "طلال ضويا" من قرية "الأشرفية" التابعة لمدينة جبلة، وهو متزوج ولديه أولاد.