حجارته الصفراء وبعض عيون من جلسوا يتأملون مرورنا بين أمكنة وقوفهم، عدستنا بدأت تصور، والكل سعيد بما يراه، سوق متفرع وطويل يحوي أكثر من 100 محل حجري قديم، حكاياه طويلة لا تنتهي، في كل سرداب ترى حكاية، وبين كل قبة تسمع صوت لحنين قد قضى من زمان ليس ببعيد.

سوق البازار، تعرجات وخانات كانت توضع فيها المواشي والجمال والخيول ماتت صفاتها من الماضي السحيق، محاله الصغيرة أسكتتها الأقمشة الملونة، وسترت جمال جدرانها القديمة التي تشعر بحياتها النائمة وراء أكثر من ثمانين عام خلت، والتي لم يبق منها إلا أسماء بقيت إلى اليوم متداولة بين ألسنة الناس، ومن بقي من أهل السوق فهناك سمعنا "سوق البازار، سوق بيت الأوسطة، خان بيت الأوسطة، سوق الشيخ ضاهر..."

الله يرحم أيام زمان على حلاوتها، كنا ما نحتاج شي، كنا عايشين عيلة وحدة من أول السوق حتى أخره

مصادفة جمعتنا في تجوالنا وعدسة موقع eLatakia يوم الخامس من شهر آب 2008 مع العم "يوسف عبدو" رجل مسن لعب طفولته بين أزقة السوق وأحداثه التي مرت على قديم السوق مازالت باقية في خياله البسيط، حدثنا بصوت اعتاه الزمان وقدمها وبصوت ضعيف قال بالعامية: «الله يرحم أيام زمان على حلاوتها، كنا ما نحتاج شي، كنا عايشين عيلة وحدة من أول السوق حتى أخره»، وعن الباقي من السوق وذكرياته حدثنا يقول: «الماضي جميل، عائلة واحدة كل هذا السوق، وما حوله والذي يمتد ملاصقاً لسوق الصاغة من ناحية شارع القوتلي، وعلى جوار قريب من ساحة أوغاريت من جهة الجنوب، وعلى أحد أبوابه من الغرب هناك ساحة البلدية نسبة لكراج خدمة الأرياف القديم، الذي نقل منذ حوالي 25 سنة، وكما ترون السوق مقبي منذ زمن قديم، ولكن أغلب أجزائه غير مقبية بشكل آمن من الشمس ومطر الشتاء، بسبب قدمها، ولكن تعدنا المحافظة أنها هذا العام ستنفذ خطة كاملة لإعادة تجهيز أسقف السوق كامل المساحة».

يتابع العم "يوسف" حديثه معنا بعد أن جمّل جلستنا كأس الشاي العصملي كما قال عنه بالعامية البلدية اللهجة المتعارف عليها هنا بـ"اللاذقية"، تذكر عند جلوسنا ما مر على السوق من حروب ونكبات أدت إلى إزالة البعض الكبير من أقسامه وتداعي البعض الآخر منه، حيث يتابع قائلاً: «السوق جمعنا منذ أكثر من خمسين عاماً مع أب علمنا معه في محل صغير لا يتجاوز الغرفة الواحدة، أقمشته وسوقها الواسع المبيع دفعنا إلى العمل في أزقة هذا السوق الذي كان بدايتنا، حيث أذكر الحياة فيه ومدى تعاضد الناس حين ملماته، وخصوصاً حينما تداعى في أواخر الخمسينيات مبنى أوخان كما كان يطلق عليه سابقاً، حيث هب الناس إلى نجدة إخوانهم، وكنت اشهد هذه الحادثة».

بينما كان يقص علينا حكايته أثار انتباهنا منظر واجهة، دهشنا بروعة بنائها، سألناه عنها قال: «إنها كنيسة السيدة التي بنيت منذ أكثر من 1800 سنة، ومازالت إلى الآن دير وبيت للعبادة يأتيها المصلون من كل مكان، ولم يقف عند ذلك بل وعد موقع eLatakia من الدخول إليها، وتصوير إحدى حلقات الموقع في حضرة أحجارها الطاهرة.

أما السيدة "نوال" وهي سيدة متوسطة العمر حدثتنا قائلةً: «السوق المقبي كما متعارف عليه بيننا نأتي إليه منذ زمن، منذ بدايات عمرنا، نتجول فيه وتحتار عيوننا أين تنظر بين واجهاته المتعددة والمتنوعة، وعن الأسعار والشيء الغريب الذي يشدّهم إلى القدوم إلى هنا قالت السيدة نوال: «ربما الأسعار هنا قريبة من الأسعار في الخارج ولكن أقدامنا تعودت إلى صعود ذلك الدرج القديم ولابد للقادم إلى سوق الصاغة والقوتلي إلى أن يمرعلى سوق البازارأوالمقبي».