تقع ناحية الدالية في وسط سلسلة جبال اللاذقية على ارتفاع يزيد عن ألف متر على جرف صخري كلسي يتجه شرقاً، فالشمس تشرق وتغرب في الدالية قبل جيرانها.

وهي قرية كبيرة يزيد عدد سكانها عن الخمسة آلاف نسمة يعملون في كافة مجالات الحياة فإضافة للزراعة التي كانت تشكل العمود الفقري في حياة أهل القرية انتشرت أعمال أخرى كالمهن الحرة، والتجارة، في حين يعمل العدد الكبير من أبنائها في وظائف حكومية متنوعة. والقرية مؤلفة من حارتان حارة شرقية وحارة غربية، والحارتان متصلتان مع بعضهما اتصالاً كاملاً بما يقارب أربع شوارع إسفلتية تتوازى مع بعضها حيناً وتتقاطع أحياناً بما يناسب انحدار الجبل، وهكذا فهي شبه أفقية.

أما شاقولياً فالقرية تتصل مع بعضها بشبكة كثيفة من السلالم الطويلة والتي تدعى بالمدارج التي تمتد من أعلى القرية حتى أسفلها.

تنتشر المساكن المبنية من البيتون في أغلب أحياء القرية ماعدا الحي القديم الذي يضم نبع ماء يسقي القرية، فالبناء هناك من الحجارة الكلسية، كما تحيط المدرجات الزراعية بها وخاصة من اليمين واليسار مع الامتداد الأفقي للمنحدر.

تحتوي القرية بريداً ومستوصفاً ومقسم هاتف ومخفراًَ للشرطة، أما نظام الري هناك فهو مميز بعض الشيء إذ يبدو أنه يعتمد على المياه التجميعية وهي كثيرة في الشتاء تتجمع في أحواض تدعى "البيارة" حتى حلول فصل الصيف وتستخدم لسقاية المزروعات. و"البيارة" آبار سطحية أي ليست عميقة تحت سطح الأرض بل تظهر بشكل واضح بين البيوت والمدرجات الزراعية بعضها مغطى والآخر مكشوف.

أبو منير يرتدي الزي السوري التقليدي

تدل آلتا الباطوس مع المعصرة اليدوية في القرية على أن استخراج الزيت من الزيتون هناك متأصل في القدم، وتوجد أجران لقشر الحنطة التي كانت تزرع بكثافة هناك قبل انتشار زراعة التبغ.

في القرية مختارين موقع eLatakia التقى المختار عبود يوسف الذي تحدث عن الزراعة والنشاط البشري في القرية قائلاً: "الزراعة الرئيسية هنا هي التبغ، أما في السابق فقد كانت زراعتنا الأساسية هي القمح، هذا إضافة إلى الأشجار المثمرة والكرمة، ولكنها ليست للبيع بل للاستخدام العائلي كما الزيتون، أما التين فكان ينتج هنا بكميات كبيرة في السابق لكن إنتاجه انخفض قليلاً.

ويتابع المختار حديثه:"زيت الزيتون عندنا له ميزة خاصة فبالإضافة للتأثير الذي تحدثه التربة الكلسية على الشجرة، فأهل المنطقة يصنعون زيتاً اشتهروا به وهو زيت (الخريج) الناتج عن معالجة الزيتون بطريقة السلق، وهو مرغوب كثيراً هنا.

أما المهن اليدوية القديمة فزالت جميعها حيث طغت الآلات الحديثة السهلة الاستخدام. وكان الزيتون يعصر هنا على آلة قديمة من قدم شجرة الزيتون في بلادنا هي الباطوس، حيث يوجد منها اثنان في قريتنا، كما يوجد مرفقاً مع الباطوس، معصرة محفورة في الصخر.

إن قريتنا قرية معمورة منذ القدم ويوجد فيها قبور قديمة نسميها "النواغيص"، وهي غرف محفورة في الصخر تحوي أكثر من قبر واحد تعود لفترة ما قبل الإسلام، كما تنتشر المغاور الكلسية والنباتات كثيرة ومتنوعة منها الأشجار المعمرة ومنها النباتات الصغيرة".

ومن أهل القرية التقينا بالعم أبو منير الذي عاش حياته في القرية منذ ولادته يقول أبو منير: "الحياة هنا تغيرت فقد كان أهل القرية يعتمدون على الزراعة في حياتهم، وكانوا يزرعون كل ما يحتاجونه فلا يضطرون لشراء أي سلعة غذائية إضافة لكونهم يعملون في زراعة التبغ، وكان هناك عادات جميلة هجرها أهل القرية منذ سنوات".

حدثنا أبو منير عن عيد الزهور أو الرابع من نيسان على التقويم الشرقي فقال: "إنها عادة اجتماعية يمارسها أهل المنطقة منذ خلقوا، حيث يجتمعون في ساحة الشيخ عبد الله كل عام في هذا التاريخ، ويأتي الناس من كل المناطق فيمتلئ المكان بالناس مجتمعين على صوت الطبل والزمر والقصبة، يسهرون حتى الساعة العاشرة أو حتى الحادية عشرة وهم يدبكون، يأتون من الحيلونة، والفروخية، ودار الجرد، ومن الجديدة، والشنتخة، وخربة السنديانة، ونحل الجرد، ومعربين، وبورجيلة، وبيت عانة، كلهم إلى ساحة القرية ويجتمع الفتية والفتيات ليتعارفوا على بعضهم، فيما يكون الطعام الخاص بهذه المناسبة هو البيض".

الدالية هذه القرية الهادئة بدأ وجهها يتغير ككل العالم وعلى الرغم من ذلك ما زال لدى الدالية الكثير من الأمل بقدرتها على الحفاظ على تاريخها وعراقتها، ويمكن الوصول إليها من مفرق على طريق اللاذقية ـ جبلة أو من حماه عن طريق أبو قبيس.