نذر الباحث "حيدر محمد نعيسة" ذاكرته ومعارفه وحبر قلمه لجمع وإحياء التراث من خلال مخطوطات وموسوعات وجمعية لإحياء التراث، فكان المخلص والوفيّ لتراث آبائه وأجداده، والباحث الدؤوب في جمعه، فقد زار كل قرية ومزرعة وحيّ في "اللاذقية" في سبيل ذلك.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 أيار 2018، الباحث "حيدر محمد نعيسة"، فتحدث عن حياته قائلاً: «ولدت في قرية "كفرية" عام 1962، وأقيم مع أهلي في قرية "عرامو" منذ ذلك العام، وأسكن في حي "الدعتور" الشعبي حالياً، نشأت في أسرة أكثر من فقيرة في بيت طيني من خشب وغار وبلان وتراب، وعملت بالزراعة والرّعيّ، درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة قرية "عرامو"، أما الثانوية، فدرستها في مدرسة الشهيد "رفيق اسكاف" بمدينة "اللاذقية" بعد أن استأجرت في المدينة، وكانت تلك أول مرة أرى فيها مدينة "اللاذقية" بشوارعها الواسعة وسياراتها وأبنيتها العالية، ونلت الشهادة الثانوية عام 1980، وانتسبت إلى المعهد العالي للعلوم السياسية، وأنهيت في عام 1985 دراستي، ثم بدأت بعد إنهاء الخدمة العسكرية تدريس مادة التربية القومية والمواد الاجتماعية عام 1986 في ثانوية قريتي ومدرسة قرية "أبو مكة"، في تلك المرحلة وامتداداً حتى عام 2000 اغتنمت فرصة العمر في البحث والاهتمام بالتراث الشعبي».

التقيت قرابة مئة معمّر في قريتنا والقرى المجاورة لها، وجمعت المعارف من أفواههم مباشرة بأدواتي البسيطة التي لا تتعدى القلم والورقة من دون استخدام تقنيات حديثة، واستعنت بطلابي في المدرسة في كل ما يسمعونه، وكنت أنمّي هذا الجانب لديهم بالبحث في معاني أسمائهم وكنياتهم وقراهم والأمثال لأعلّمهم العودة إلى الجذور والتمسك بها، كما كنت أقطع المسافات في مدينة "الحفة" مشياً على الأقدام في الليالي في سبيل أن أستمع إلى معمّر وهو يتحدث عن الإنسان والعلم، فالأجيال امتداد، ونحن آخر جيل يمت بصلة إلى الماضي

وعن بواعث اهتمامه بالتراث ومصادره في ذلك، يقول: «الباعث الأول للاهتمام بالتراث هو رسالة دكتوراه اطلعت عليها للباحث "جورج نبيل دكر" بعنوان: "التراث الشفوي ومنهجية حمايته في الشرق الأدنى"، هذا الكتاب أثار اهتمامي جداً، فاغتنمت فرصة وجودي في بيئة ريفية تراثية غنية بعيدة عن "اللاذقية" قرابة 50 كيلو متراً، وساعدني في ذلك وجود نسبة كبيرة من المعمّرين، وهم معلمون حقيقيون كل في مجاله في عالم الرعي والزراعة وعالم الطين والعجين، وعالم الذاكرة والرواية والحكاية والفلك الشعبي والأمثال والتراث بفروعه جميعها المروي والمادي الملموس والروحي وسواه. والداي هما المعلمان الأولان لي في هذا المجال، حيث كان والدي حكواتي الريف، وعاصر أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين حتى نهايته تقريباً، وكان خزانة معرفة».

نعيسة في ملتقى الدعتور الثقافي

ويضيف: «التقيت قرابة مئة معمّر في قريتنا والقرى المجاورة لها، وجمعت المعارف من أفواههم مباشرة بأدواتي البسيطة التي لا تتعدى القلم والورقة من دون استخدام تقنيات حديثة، واستعنت بطلابي في المدرسة في كل ما يسمعونه، وكنت أنمّي هذا الجانب لديهم بالبحث في معاني أسمائهم وكنياتهم وقراهم والأمثال لأعلّمهم العودة إلى الجذور والتمسك بها، كما كنت أقطع المسافات في مدينة "الحفة" مشياً على الأقدام في الليالي في سبيل أن أستمع إلى معمّر وهو يتحدث عن الإنسان والعلم، فالأجيال امتداد، ونحن آخر جيل يمت بصلة إلى الماضي».

ترجم بحثه واهتمامه في أعمال عدّة، فتحدث قائلاً: «من أعمالي في التراث، "موسوعة التراث الشعبي في اللاذقية"، فقد اطلعت على كتب ودراسات كثيرة في التراث الشعبي مترجمة وغير مترجمة، ومجلات تصدر في دول عربية وكتاب "التراث الشفوي ومنهجية حمايته في الشرق الأدنى"، وجدت التراث يتيماً لا أحد يُعنى به، واقتصر على مبادرات واهتمامات فردية، فكانت الموسوعة ضرورة وحاجة لكي يعلم الأحفاد حال الأجداد، وحتى لا تتسع الهوة والقطيعة بين الأجيال.

لبابة يونس

وتراث اليوم هو نتاج الأجداد، ومن الضروري والواجب أن نترك لأحفادنا التراث الذي ننتجه اليوم حفظاً وإحياءً له، ورسالتي تقول إن التراث له قدسية وقوة روحية من الخطأ التعامل معه كأنه ماضٍ فقط، والموسوعة في ستة أبواب؛ الأول المعارف والمعتقدات، والثاني العادات والتقاليد، والثالث الأدب الشعبي، والرابع الصناعات الشعبية، والخامس الفنون الشعبية، والسادس التقويم الشعبي، وعدد صفحاتها 3200 صفحة، ومنحتني وزارة الثقافة مكافأة مالية قيمة مقابل جهدي وبحثي».

ويتابع القول عن أعماله: «هناك جمعية "حماية وإحياء التراث الشعبي" قيد التأسيس، حيث قمت مع مجموعة من المهتمين والمحبين للتراث بوضع الأسس والأهداف لهذه الجمعية، ومنهم: "علي مفتي"، والأستاذ "راجي إبراهيم"، و"غسان عبيد"، و"أحمد عابدين"، و"جورج شويط"، و"علي محمود جديد"، و"غيث الورعة"، وهم من "اللاذقية" وقراها المختلفة، ومن أهدافنا جمع وحفظ التراث المادي واللا مادي والعمراني والتاريخي والتراثي، إضافة إلى إقامة المحاضرات والندوات وإقامة المشاريع التراثية، وننتظر إشهار الجمعية رسمياً.

من مؤلفاته

وقمت في عام 2016 بتأسيس ملتقى "الدعتور" الثقافي بدعوة مجموعة من المهتمين بشؤون الأدب والثقافة والفنون، وبدأت فعاليات الملتقى منذ ذلك العام، حيث نستضيف بعض أعلام الأدب والثقافة والعلم والمجتمع، ونسقنا مع ملتقيات في المحافظات السورية التي خلقت فرصة للتواصل والتعارف، ويعدّ وطننا "سورية" محور ملتقياتنا وقصائدنا».

الإعلامية "لبابة يونس" معدة برامج ومذيعة في التلفزيون العربي السوري، تتحدث عنه قائلة: «أطلق عليه الباحث العذب؛ لما تحققه مادته البحثية من متعة إلى جانب المعلومة، وهو الذي يقدم تفاصيل المادة البحثية بعد اطلاع واستقصاء دقيق معتمداً على المصادر المادية واللا مادية؛ لذلك تأتي أبحاثه دقيقة مستوفاة لكل العناصر.

عندما أتيت من "حلب" إلى "اللاذقية" لأتابع عملي في التلفزيون، رحت أبحث عن مراجع ومؤلفات كتبت في "اللاذقية" لقلّتها حينئذ، إلا أن مؤلفات الباحث "حيدر محمد نعيسة" كانت خير معين لدعم مادتي الإعلامية؛ لمرونتها وقابليتها للتحول إلى صورة ومادة تلفزيونية شيقة، ولا شك أنه قدم ووثّق لتراث مدينته وريفها ما هو أصيل وجدير بالبحث؛ ليبقى مادة حية للأجيال القادمة، التي ستواصل مسيرة البحث منطلقة من هذه "التركة" من المؤلفات كمادة بحثية مستمرة».

يُذكر أن الباحث "حيدر محمد نعيسة" ينشر مقالاته في صحيفة "الوحدة" حول التراث الشعبي، وعمل مراسلاً لصحيفة "البعث" سبع سنوات، وبقي التراث الخيط الفاصل الواصل للنشر في الصحف والمجلات، ولديه كتب مطبوعة، منها: "صور ريفية من اللاذقية"، و"من أساطير الشجر"، و"ألغاز شعبية"، و"إطلالات ساحلية"، و"عين علي"، ولديه قرابة 45 مخطوطاً قيد الطباعة.