فوق أعلى جبال قرية "تل حويري"، تربّعت غابة "الشيخ سلامة" بإطلالتها البحرية من جهة، والجبلية المطلة على القرى المجاورة من جهة أخرى؛ وهو ما جعلها قبلة لمحبي الطبيعة والرحلات، والباحثين عن متنزه مجاني بين الجبال.

المهتم بالبحوث الجغرافية، ومن أهالي قرية "تل حويري" المدرّس "محمد حبيب داوود"، تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 أيار 2018، عن الموقع وميزات الغابة وسبب التسمية، فقال: «تقع الغابة جنوب قرية "تل حويري" التابعة لمدينة "جبلة"، وهي تمتد على مساحة 25 دونماً، بارتفاع 400م عن سطح البحر، وباتجاه يمتد من الشرق إلى الغرب. صخورها كلسية تعود إلى الحقب الثاني من الدور "الجوراسي"، مع ظهور بعض الصخور من الغضار والصوان وتكشفات مستحاثات بحرية. كما تضم الغابة عدة كهوف منحوتة بالصخر ترجع إلى العصر الآرامي، إضافة إلى أنها ملأى باللقى الأثرية التي يعود قدمها إلى مئات السنين.

تعود تسميتها غابة "الشيخ سلامة" إلى ضريح داخلها لأحد الأولياء الصالحين، يحمل الاسم نفسه، حيث كان يعيش في القرية، واتجه إليها قبل 500 عام

وقديماً كانت بيوت القرية تقع على السفح الشمالي من الجبل، ويسلك الأهالي طريقين زراعيين للوصول إليها، أحدهما من أسفله باتجاه عين "السنديانة"، والآخر من قرية "الشزريقة" نزولاً إلى الغابة. وتعدّ مصيفاً ممتازاً يقصده الناس منذ القديم حتى يومنا هذا، لكن تنقصها الخدمات؛ إذ ليس هناك طريق معبّد للوصول إليها حتى الآن، ومع ذلك مازال الناس يقصدونها بهدف الاستجمام والاستمتاع بجمال الطبيعة البكر، وممارسة رياضة المشي، وخصوصاً أنها تمتاز بمناخها المتوسطي المعتدل، وغناها بالغطاء النباتي المتنوع والكثيف، ففيها أشجار السنديان والبلوط والقطلب والزعرور والريحان والبطم والسترك (الحوز)، والشيح».

محمد حبيب داوود

وعن سبب التسمية، يقول: «تعود تسميتها غابة "الشيخ سلامة" إلى ضريح داخلها لأحد الأولياء الصالحين، يحمل الاسم نفسه، حيث كان يعيش في القرية، واتجه إليها قبل 500 عام».

الموظّف "يعرب حمود" من سكان القرية، حدثنا عن ذكرياته في الغابة، حيث قال: «منذ الطفولة والغابة كانت مكاناً نقصده بهدف الترفيه والتسلية، فقد كانت مقصداً للعديد من المدارس بهدف إقامة رحلات مدرسية سيراً على الأقدام للاستمتاع بجمال الطبيعة البكر، كنا نصطحب معنا المأكولات والمشروبات المحببة، وكثيراً ما كنا نقوم بزيارتها في أوقات الربيع لما تمتلكه من سحر المشهد وجماله، وخصوصاً أن لهذه المنطقة ميزات كثيرة جعلتها محط أنظار الأهالي في القرية، فوجود الغطاء النباتي الغني والممتد على مساحة كبيرة في مكان واحد، إضافة إلى وجود العديد من الحيوانات، كالسناجب، وابن آوى، والأرنب البري، والعديد من الطيور، كطائر "لهاية الرعيان"، و"أبو زريق"، والشحرور، وعصفور الدوري. كما أن طبيعة تضاريسها تعدّ عاملاً إضافياً لجذب الناس إليها، فهي تقع على قمة جبل مطل على البحر؛ وهذا زاد من جمال وروعة المنطقة، إضافة إلى أن الجبل المحيط بالغابة تم استثماره من أهالي القرية، وبنوا فيه المدرجات التي زرعت بغراس الزيتون، منذ أكثر من خمسين سنة تقريباً، فهي تعدّ محطة استراحة للمزارعين أثناء ذهابهم إلى أعمالهم في أراضيهم، أو عودتهم منها. وفي القديم لم تتوفر المياه في الغابة، فقد كنا نصطحب الماء معنا من نبع بالقرب منها اسمه "عين السنديانة"، أما حالياً، فقد تم مد خط لنبع "السن"، وتم تخزين المياه بخزانات أحضرت من قبل الأهالي إليها بهدف تزويدها بالمياه الصالحة للشرب».

من أشجار الغابة المعمّرة

"حسن عجيب" من زوار الغابة، حدثنا عما يشده في المكان، فقال: «لا يزورها الكثيرون من سكان القرى المجاورة بسبب عدم وجود طريق معبد يصل إليها، إضافة إلى أن زائرها سيحمل معه كل مستلزماته من أطعمة ومياه بسبب عدم توفر الخدمات حولها؛ وهو ما يجعل زوارها من محبي وهواة رياضة المشي. وبالنسبة لي، فأنا أقصد مناطق كثيرة سيراً على الأقدام بهدف الاستمتاع بجمال وهدوء وسحر الطبيعة البكر، ومن المناطق التي أقصدها بزيارة مع أهلي وأصدقائي، وأحياناً أقربائي، غابة "الشيخ سلامة" من أجل قضاء الوقت في التسلية وتناول الأطعمة المختلفة، والتقاط العديد من الصور الجميلة، فهي من المناطق التي تجذبني لتنوع مناظرها الطبيعية، ومناخها المعتدل، وكثافة شجرها».

وقد ورد في دراسة تاريخية للباحث "حيدر نعيسة" عن قرية "تل حويري"، حيث قال عن غابة "الشيخ سلامة": «عثر في أراضي "ضهر الشيخ سلامة" على بقايا كسر فخارية، إضافة إلى كثرة الكهوف الطبيعية، والنّواويس المنقورة في الصخور الصلبة، التي اتخذت مدافن عائلية في العهد البيزنطي».

إطلالة غابة "الشيخ سلامة" من القرى المحيطة بها