إحدى العادات التقليدية في التراث الساحلي، فيها يقوم الناس بممارسة طقوس اجتماعية تدعو إلى الفرح والألفة والمحبة والتسامح بينهم، ويحييها أهل السهل والجبل في الساحل السوري.

تعدّ قرية "باب جنّة" التابعة لناحية "صلنفة" من القرى التي ما زالت تحيي طقوس "القوزلة" في ريف "اللاذقية"، وهنا يتحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 كانون الثاني 2018، أحد أبناء القرية "لبيب حسن" مدير إنتاج في التلفزيون السوري، قائلاً: «أذكر أننا نحيي الاحتفال بـ"القوزلة" منذ طفولتي، وأهل قريتي يستعدون كل عام لذلك؛ حيث يقوم الأطفال والشبان بجمع الحطب والأعواد وتكديسها على شكل أكوام قبل شهر، لأننا نشعل النيران في أماكن عدة من القرية في ليل اليوم الأول 13 كانون الثاني، ويجتمع أهل القرية حول النار إلى وقت متأخر، ويغنون الأغاني القديمة والتراثيّة، وتقوم النساء بطبخ أنواع محددة من الأكلات الشعبية، كـ"الكبّة والزليبة" بالإضافة إلى الفطائر والحلويات، وفي اليوم التالي 14 كانون الثاني يستيقظ أهل القرية في الصباح الباكر ويزورون أحد المزارات ومقبرة القرية، ويتلون الفاتحة وسوراً من القرآن الكريم، ثم ينزلون إلى القرية ليزوروا الذين لديهم وفيات حديثة ويعايدونهم، كما ينتقلون في زياراتهم من حارة إلى أخرى ويجتمعون فيها إلى أن تتم زيارة كل بيوت وحارات القرية».

يسود في "القوزلة" جوّاً من المحبة والألفة، وتقوية صلات الرحم والصداقة بين أهل القرية وعلاقاتهم الاجتماعية، فهم يتبادلون الأحاديث والطعام والفرح والحزن، ويعدّ هذا اليوم نافذة للتسامح والغفران، وصفاء القلوب بينهم، واجتماع القريب والبعيد منهم

وعن القيم الإنسانية التي تكرّسها هذه المناسبة، يقول: «يسود في "القوزلة" جوّاً من المحبة والألفة، وتقوية صلات الرحم والصداقة بين أهل القرية وعلاقاتهم الاجتماعية، فهم يتبادلون الأحاديث والطعام والفرح والحزن، ويعدّ هذا اليوم نافذة للتسامح والغفران، وصفاء القلوب بينهم، واجتماع القريب والبعيد منهم».

لبيب حسن

وعن معنى وطقوس هذه المناسبة، يتحدث الباحث "حيدر محمد نعيسة" صاحب موسوعة "التراث الشعبي"، ورئيس جمعية "إحياء التراث" و"ملتقى الدعتور" الثقافي، قائلاً: «"القوزلة" مناسبة وليست عيداً، وتصادف رأس السنة الشرقية وفق التقويم الميلادي الشرقي الذي يلي التقويم الميلادي الغربي، بفارق ثلاثة عشر يوماً، وهو رأس السنة عند السريان القدامى، أو السوريين "أكيتو"، وقد ورد ذكر لفظة "القلنداس" بأنه يوم مقدس قديم وينتصف أربعينية الشتاء، ويشارك به بعض المسلمين والطوائف المسيحية، ولا سيما الأرثوذوكس. و"القوزلة" من الفعل "قزل" فعل عربي أصيل يعني أشعل النار، ويعدّ إشعال النار طقساً مثيولوجياً قديماً يحمل معنى إيفاء النذور فيما يحمله من معانٍ متعددة، وهو يوم فرح صادق وعفويّ، وله بعد اجتماعي، ويربط بين الأجيال، ويشيع الدفء والحميمية بينهم».

ويضيف عن ملخص طقوس الاحتفال: «هي إشعال النار في أكوام الحطب والأغصان المكدسة لحظة غطسة الشمس الظاهرية في البحر، وعقد الدبكات الشعبية حول النار المشتعلة على أنغام الطبل والزمر، والقيام بحركات بهلوانية، وترديد الهتافات والمقاطع الغنائية التراثية، وارتداء ما أمكن من الأزياء الشعبية التقليدية (اللفحة، والبريم، والسروال) حتى لو استعارة، ويقوم الرجال والنساء بمعايدة بعضهم بعضاً في البيوت مبتدئين بالمشايخ والمخاتير، وكبار السن، وزيارة المقبرة والمزار، وتكون المعايدة بجملة: "عيد مبارك عليك". ويكون الرد عليها بالقول: و"عليكم أبرك الأعياد". وتتم المصالحات بين المتخاصمين جميعاً، وتوزع الضيافات التقليدية (قضامة وملبس وسيوا ومربى وحلاوة)».

خبز القوزلة

يُذكر أن "القوزلة" من المناسبات الاجتماعية، وأحيتها هذا العام قرى قليلة في "اللاذقية"، منها: "باب جنّة"، و"دمسرخو"، و"مزرعة المعيصرة"، و"أوبين"، و"الحارة"، و"البودي" في "جبلة"، و"الخريبة" في "بانياس".

حيدر نعيسة