واحدٌ من الصروح الحضارية التي تخبّئ حجارته تاريخ حضارات متعاقبة تروي حكايات الذين مرّوا من ذلك المعلم الأثري عبر السنين، تاركة أهم المنشآت التاريخية العريقة التي تدلّ على غنى الإرث التاريخي لهذه المنطقة، وعظمة الإنسان فيها.

«يعدّ "مسرح جبلة" الأثري من أجمل الآثار الرومانية على الساحل الفينيقي، وواحداً من أهم ثمانية مسارح أثرية اكتشفت في "سورية"، فقد تعدّدت تسمياته ما بين المسرح والمدرّج والقلعة، وجميعها عبارة عن تسمية محلية واحدة. يقع على الحدود الشمالية الشرقية للمدينة القديمة، ويرجع بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي أي إلى العصر الروماني، الذي يضمّ الآثار المكتشفة في المدينة». هذا ما بدأ به الدكتور "مسعود بدوي" رئيس دائرة آثار مدينة "جبلة" خلال حديثه لمدونة وطن "eSyria" عندما التقته بتاريخ 29 تموز 2017، وأضاف: «تم بناء حصن عربي إسلامي في مدينة" جبلة" من قبل الخليفة "معاوية بن أبي سفيان" خارجاً من الحصن الروماني القديم؛ أي تم تحويله أيام الروم البيزنطيين إلى قلعة للدفاع عن المدينة أثناء الفتح العربي الإسلامي لمدينة "جبلة"، وبقي قلعة حتى الفترة الصليبية والأيوبية والمملوكية، ويدل على ذلك بقايا الأبنية والمرافق المختلفة، والقطع الأثرية من فخار ونقود، التي ظهرت أثناء الحفريات الأثرية التي قامت بها المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1950م؛ لهذا أطلق على المكان اسم القلعة الذي بات المسرح يعرف به إلى يومنا هذا.

اعتدت أن أزوره، وخصوصاً أيام المهرجانات والمعارض الفنية والثقافية والعروض الغنائية والمسرحية التي تقام على أرضه دورياً، إضافة إلى أن هذه التظاهرات الثقافية التي تقام هنا تساهم في بناء وعي فكري لمدى أهمية هذه الصروح الحضارية وعراقة حضارتنا، وتخلق حواراً فكرياً يربط الماضي بالحاضر

أضف إلى أن المسرح ينتصب فوق أرض سهلية بركائز وقواعد ضخمة من الحجر الرملي، وقد بنيت مدرجاته بالحجر الكلسي القاسي، وعلى أرض منبسطة كلياً، حيث تساوت أرضية أقسامه اعتباراً من أرضية الأوركسترا، في حين أماكن الجمهور بنيت كمرتكز على الأروقة والممرات والركائز والفتحات القباب، كما أنه يندرج ضمن المسارح الكبرى المبنية من ثلاث طبقات للمتفرجين: "السفلى، والوسطى، والعليا"، وحجم بنائه قريب من مسارح "بصرى" و"تدمر" و"شهبا"».

زخارف رومانية

وعن الطراز المعماري، يقول: «شكله نصف دائري، ويبلغ قطره نحو 90 متراً، ويتسع لـ10 آلاف متفرج، حيث ينقسم إلى منصة التمثيل التي زيّن جدارها الأمامي بمحاريب مستطيلة ومستديرة، والصحن أو الحلبة، إضافة إلى مدرجات الجمهور التي تضم ثلاثة طوابق و35 درجة، أضف إلى أن المسرح زود بالعديد من الأدراج والممرّات التي تفصل أقسام المسرح وتسهل عملية التنقل داخله. وتتم حركة الاتصالات داخل المسرح وعلى الدرجات بواسطة رواقين؛ حيث يعدّ الرواق الرئيس هو الذي يعطي المسرح الشكل الدائري، ويبلغ عرضه أربعة أمتار بارتفاع عشرة أمتار، وينفتح على ثمانية أبواب متناوبة مع تسع نوافذ؛ يتم من خلال الأبواب الدخول والخروج إلى مدرجات الجمهور، إضافة إلى أن بناء المسرح وهندسته من تنظيم درجاته وعقوده وأروقته والواجهات الخارجية مع الأعمدة التزينية والتيجان والأدراج؛ يدل على مهارة هندسية ومعمارية متميزة؛ حيث يشكل اتحاداً معمارياً وعمرانياً وتاريخياً متكاملاً مع محيطه».

وفي حديث مع "عبد الستار صباغ" المشرف على أعمال التنقيب والترميم في المسرح، قال: «يعدّ صرحاً ثقافياً وحضارياً يمثل حالة من الثقافة والفكر، ويقدم نوعاً من التمازج بين ثقافات الشرق، كما أن الحفاظ على الإرث الحضاري وخلاصة إنجازات الحضارات وتراثها الفكري من أولويات واهتمامات الشعوب منذ الأزل وحتى يومنا هذا، وبالنسبة إلى مسرح "جبلة" الأثري تمّ الكشف أثناء عمليات التنقيب عن بقايا كثيرة توضح أن للمدرج امتداداً كبيراً نحو الشرق، تدل على أنها بقايا أماكن الإقامة والمنشآت الدفاعية، وقد كشفت عن وجود أربعة أدراج تسمح بدخول الجمهور إلى المدرجات، وكان الدرج الرابع مبنياً من الحجر الكلسي ذي الأحجام والقطع الكبيرة، كما تم العثور على بعض الأواني الفخارية التي تدل على أن المسرح كان يضمّ مشاغل للفخار أيام العثمانيين، إضافة إلى مجموعة من الأباريق والسرج الفخارية، وبعض العناصر الزخرفية للمسرح، ورؤوس مغازل ظهرت فترة الحضارة الإسلامية، كما تم الكشف عن حجر عليه كتابة جورجية تؤرخ للقرن العباسي، وتجري الدراسة عليه حالياً».

رئيس دائرة آثار جبلة الدكتور مسعود بدوي

"أسماء سلامة" من مرتادي المسرح، تقول: «اعتدت أن أزوره، وخصوصاً أيام المهرجانات والمعارض الفنية والثقافية والعروض الغنائية والمسرحية التي تقام على أرضه دورياً، إضافة إلى أن هذه التظاهرات الثقافية التي تقام هنا تساهم في بناء وعي فكري لمدى أهمية هذه الصروح الحضارية وعراقة حضارتنا، وتخلق حواراً فكرياً يربط الماضي بالحاضر».

أعمدة رومانية