ولّد اهتمام "تيسير رمضان" بالأنثى حالة تعبيرية خاصة، فالوحي الخاص فرض خلق مساحة جمالية تعكس مقاييس متفردة من الروعة والكمال.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان التشكيلي "تيسير رمضان" ليحدثنا عن بدايات الغوص في عالم الفن، فقال: «بدأت كأي طفل يحتار كيف يشبع شغب الطفولة على المساحات الفارغة، فيخربش على الحيطان ويترك آثار الشقاوة على كل فسحة، فأحضر لي والدي دفتر رسم وعلبة ألوان، ورحت أدوّن طفولتي المختبئة خلف ستار الذاكرة البصرية على الورق الأبيض، وقد وجد مدرّس الرسم في المرحلة الابتدائية أنّ عليّ أن أجتهد أكثر لأبرز وأتمرس، وحينئذٍ وجدت الفكرة تتبلور لتحقيق حلم يعبر بصيصاً من الرغبة والأمل، فقررت أن أرسم وألوّن وأتعلّم أكثر، وبعد المرحلة الثانوية التحقت بمركز لتعليم الفنون التشكيلية، وبعدها انتسبت إلى نقابة الفنانين التشكيليين، وبدأت أعرض لوحاتي ضمن معارض فنية فردية وجماعية، حتى أصبحت لي بصمة مميزة في الساحة الفنية».

أظن أن تجربته محاولة حثيثة وجادّة، ولها خصوصيتها المحددة في مُحاكاة الجمال والقيم الروحانية بأسلوب مختلف؛ إذ تبدو أعماله كأيقونات، وقد اعتمد في لوحاته مبدأ السهل الممتنع، وأغلب الأحيان نرى الخلفية على شكل فراغ ذي لون واحد، وأحياناً نراه يضيف إليها بعض الأشكال التعبيرية، كالدوائر أو الأشكال الهندسية، وربما أضاف إليها بعض العناصر الأخرى، كالطيور والورود والأسماك وغيرها، وبذلك يكون قد أضاف شيئاً عميقاً ذا بعد روحي إلى مضمون اللوحة

وتابع القول عن أهمية خطوط الرسم واللون: «تُشكل خطوط الرسم الأولية مفتاح تميز أي لوحة، إضافة إلى تدرج اللون والظل والنظرة الثاقبة التي يتبعها الفنان، حيث يُعدّ كل فنان صاحب خط خاص ونمط متفرد، فلكل فنان خط يختلف عن الآخر، ويمكن أن يكون الخط من بداية اللوحة جريئاً وقوياً، وهناك آخرون خطهم رشيق وخفيف وبدايات تشكيل لوحاتهم لا تعبر عن نهايتها؛ فأول ما يبدأ الفنان بالخط، وبعدها تكر سُبحة الألوان، وتبدأ مرحلة إخراج الطبقة وتعميقها حتى يشعر بأن اللوحة باتت تعبر بكليتها عن كلماتٍ لا تقال، فاللوحة لغة بصرية مكتوبة من الألف إلى الياء يقف المرء أمام قدرتها التعبيرية عاجزاً، كمشهد غروب الشمس الذي هو مشهد ناري يُجسّد انفعال وانبهار اللون بأقصى درجاته وشفافيته».

ذات الأزرق

وتابع القول: «من هنا، فاللغة المنطوقة عاجزة أمام جمالية اللغة البصرية، والعمل الفني حالة جمالية تستحوذ على كل لغات العالم ويتسع معها المشهد ليكون أجمل من أي كلام يقال، ولا نستطيع أن نعبر عنه بالكلمات، فهناك إشارات معينة تلتقطها الروح في اللا وعي، ويحدث أن يتجسد الجمال بطرائق مختلفة لا نملك إلا الصمت أمامها، وعندها تصبح العين الثاقبة هي المفتاح، ويصبح التعبير عاجزاً أمام قوة وشفافية الإبداع، فكل عمل فني يعبر عن مكنونات الفنان ونظرته الخاصة وحالته الشعورية، وهناك أعمال تحتاج بخصوصيتها إلى نوع خاص من التذوق الفني أو المنظور الفني؛ لذا على المتلقي أو المتابع أن يكون على قدر من الدراية والوعي لتفهم حالة الفنان التعبيرية، فالفنان وليد لحظة شعورية عميقة لا تتكرر، وإنما تتجسد عبر اللون وخطوط الرسم، لتكوّن حالة خلاقة وإبداعية في رحلة صوب الخيال تحتاج إلى ضمّها عبر أثير الرسم».

أما عن تجربته الأخيرة التي جسّد فيها رؤيته الخاصة للأنثى، فقال: «في المدة الأخيرة بدأت رسم الوجوه بعد أن أخذ الرسم الواقعي حيزاً كبيراً من وقتي وجهدي؛ فالطبيعة الصامتة والأشياء والبيئة والأشخاص كانت تغريني، ثم تابعت في المدرسة الانطباعية وعدت إلى رسم البورتريه، وأحببت أن أرسم الوجوه بطريقة مختلفة ذات دلالات روحانية وطلاسم تعبيرية من حيث استطالة وطول العنق والعيون اللوزية والأكتاف الصغيرة والأنف المميز، وهي تجسيد لوجهة نظري الخاصة في التعبير عن إلهية الأنثى، وبعد عدة لوحات بات لي نموذج خاص بي، فعرضت عدداً من لوحاتي على مواقع التواصل، واقتبس العديد من الفنانين فكرتي، وطورها كل فنان على طريقته وبأسلوبه، لكنني واظبت على الفكرة وتعمّقت بها أكثر، وأصبح لي خط واضح ومميز ومختلف، ومعظم ما أرسمه بألوان الباستيل».

احتضار البنفسج

الفنانة "فيفيان الصائغ" تحدثت عن تجربة الفنان "تيسير" بالقول: «أظن أن تجربته محاولة حثيثة وجادّة، ولها خصوصيتها المحددة في مُحاكاة الجمال والقيم الروحانية بأسلوب مختلف؛ إذ تبدو أعماله كأيقونات، وقد اعتمد في لوحاته مبدأ السهل الممتنع، وأغلب الأحيان نرى الخلفية على شكل فراغ ذي لون واحد، وأحياناً نراه يضيف إليها بعض الأشكال التعبيرية، كالدوائر أو الأشكال الهندسية، وربما أضاف إليها بعض العناصر الأخرى، كالطيور والورود والأسماك وغيرها، وبذلك يكون قد أضاف شيئاً عميقاً ذا بعد روحي إلى مضمون اللوحة».

وأضافت: «أرى أنّ الفنان استخدم الخطوط والألوان للتعبير عن فكرة العمل بوجه عام، كما ركّز على اللون البنفسجي في معظم الأعمال تقريباً، وهذا اللون من الألوان الصعبة التي تحتاج إلى خبرة ودراية، وأراه يستخدمه بطريقة ساحرة، والأهم حبه لهذه الأعمال شكلاً ومضموناً؛ فهي تُحاكي ذاته في نهاية المطاف.

سيدة الزهور

عموماً هذه الأعمال بعيدة عن تفاصيل الواقع ومرارته كحالة تعبيرية معينة هي أقرب إلى الصمت الذي لا يستطيع الكلام التعبير عنها في معظم الأحيان، فنرى هذا الوجه دائماً في حالة توق إلى الانعتاق والتحليق في فضاء لا متناهٍ بعيداً عن الصراعات المادية والجسدية، ويرنو إلى عالم أجمل من المحبة والهيام؛ يسوده الصفاء والنقاء».

الجدير بالذكر، أن الفنان "تيسير رمضان" من مواليد "اللاذقية" عام 1962، وقد شارك في العديد من المعارض.