صوّر الفنان الطفل "أحمد شعباني" بريشته لوحة زيتية للبطل السوري العالمي "مجد الدين غزال" وهو يقفز فوق العارضة، ووضع نسراً جالساً بأمان على تلك العارضة، واثقاً بأنّها لن تقع، وقدّمها في يوم السكان العالمي مع مجموعة من الشباب.

"أحمد شعباني" من مواليد عام 2003 يعيش في حيّ "الدن"، ويتردّد إلى المرسم القريب من منزله كل أسبوع مرة، ضغط الدراسة في الشتاء يثقل كاهله، وأشهر الصيف قليلة، لكن ذلك لا يمنعه من أن يكون مبدعاً على ورقة، أو قماش أبيض، كلما سنحت الفرصة.

ينصب اهتمامي على المواضيع الإنسانية، أحب أن أرسم كلّ ما فيه حركة، أرسم الواقع، وأحبّ الانتقال إلى الخيال. وفي مرسم التكوين صرت أهتمّ بالضوء والظلّ أكثر، وأن تكون اللوحة قريبة إلى الواقع من ناحية التشريح والمنظور

مدونة وطن "eSyria" زارت ابن الثلاثة عشر عاماً بتاريخ 10 كانون الأول 2016، في مرسم "التكوين" الذي يتعلّم فيه، وفي حديثه لنا، يقول: «ينصب اهتمامي على المواضيع الإنسانية، أحب أن أرسم كلّ ما فيه حركة، أرسم الواقع، وأحبّ الانتقال إلى الخيال. وفي مرسم التكوين صرت أهتمّ بالضوء والظلّ أكثر، وأن تكون اللوحة قريبة إلى الواقع من ناحية التشريح والمنظور».

"أحمد" مع إحدى رسوماته

وهناك، حدّثتنا المشرفة "لما الشيخ" عنه، فقالت: «"أحمد" هادئ في طبعه، وقد انعكس هذا على أدائه في الرسم؛ فنجده يشتغل على التفاصيل، بعكس باقي الأطفال في عمره الذين يهربون منها، كما يهتم بمعرفة تاريخ الفن ومدارسه، ويتابع سير الفنانين العالميين باهتمام؛ وهذا كفيل بأن يطوّر مستواه ويفتح أمامه أفقاً واسعاً».

وعن خياراته في انتقاء المواضيع، تقول: «في البداية كنا نطلب منه مواضيع محددة، فنحن نعلّم الرسم بالطريقة الكلاسيكية، وفي مراحل لاحقة نترك الحرية في اختيار الموضوع، مع بعض التوجيه، و"أحمد" استطاع خلال ثلاث سنوات من وجوده معنا، أن يبلغ مستوى متقدماً في الرسم الكلاسيكي، ولديه الخيار الآن لرسم أي موضوع يفضّله، وينتقل إلى عالم الفنّ بمدارسه وأساليبه المختلفة، لكننا سنبقى معه لندعمه تقنياً ومعرفياً. أظنّ أنه تأثر بمدرّسيه، حتى إن لم يأتِ التأثر كفرض، فهو يميل إلى الرسم بذهنية الفنانين الذين تعرّف إليهم في المرسم، لكنّ هذا لا يمنع أن تكون له بصمته الخاصة».

مع زملائه في المرسم

في الحادية عشرة من عمره اشترك "أحمد" بمسابقة رسم للأطفال، ففاجأ اللجنة باستخدامه قلم الرصاص فقط، مبدياً حساسية للضوء والظل والنسب، حتى قال عنه الفنان "محمد أسعد سموقان": إنه يرسم كالكبار، وفي ذلك العمر كان معرضه الأول مع مجموعة من الأطفال في المتحف الوطني بـ"اللاذقية"، وفي عام 2016 شارك في المعرض الذي أقامته "الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان" و"مجلس الشباب السوري" بمناسبة "يوم السكان العالمي".

في المرسم التقينا أحد رواده، وهو الفنان "بشار بقعاوي" من المهتمين بإمكانيات "أحمد"، ومتابع لمراحل تطوّر عمله، وعن ذلك يقول: «يتميّز "أحمد" بالقدرة على تلقي المشاهد الحياتية وتفسيرها بأسلوب مختلف عن الأطفال في جيله، إضافة إلى تمتعه بذهنية مراقبة، من دون اللجوء إلى الإفصاح عمّا يجول في خاطره للآخرين؛ وهو ما يتيح له القدرة على تخزين مجموعة من الأفكار والمفاهيم وتوظيفها بأساليب متعددة، خاصة من الناحية التشكيلية التي يمتلك فيها قدرات تقنية تتجاوز عمره؛ فهو يستطيع نقل المواضيع إلى المساحة البيضاء في اللوحة بكيفية متمكنة إلى حدّ ما، بصرف النظر عن قلة خبرته ومعارفه في عالم الفنون التشكيلية والحياة، نجد ذلك من خلال الخطوط والمنحنيات المستقرة على اللوحة.

تلك الطاقة الكامنة التي انعكست بصورة تكوينات تشكيلية تعبر عن بذور ومهارات يمكن توظيفها في المستقبل على نحو فنّي أو علميّ، وعند استثمارها بطريقة مناسبة يمكن لها أن تكشف النقاب عن إنسان ناجح وفاعل في المجتمع مهما كانت خياراته المستقبلية».