حفظ الحنطة استعداداً ليوم القديسة "بربارة" في أول الشتاء يبدأ من أواخر الصيف تقريباً، في كل المناطق التي يحتفى فيها بعيد استشهادها، في تقليد يمثل استمرارية مشرقية تبجل القمح ورمزيته.

يحتفل بعيد القديسة "بربارة" المسيحيون المشرقيون ومنهم أهالي بلاد الشام والرافدين، كما يتشارك معهم أهل الساحل وقرى سهل الغاب ووادي النضارة وبعض المناطق اللبنانية، ويصادف يوم 4 كانون الأول من كل عام، ذكرى استشهادها.

إن الاحتفال بعيد البربارة قديم، حيث نقوم بطبخ الحنطة المسلوقة على الحطب ونضيف إليها اللحم أحياناً، وتترك حتى يصبح المزيج هلامياً، ويضاف إليها كالعادة الملح والماء حتى تنضج

تعود قصة القديسة "بربارة" إلى أوائل العهد المسيحي في القرن الرابع الميلادي، وهي من القديسات اللواتي لهن حضور شعبي وروحي كبير، تقول "فريال حنا" من المهتمين بقصة القديسة "بربارة" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23 آب 2015: «للقديسة "بربارة" حكاية تناقلتها شعوب المنطقة، فهي ولدت في عائلة وثنية وعاشت مع والديها في قصر، واعتنقت المسيحية، ثم اعتقلت ووضعت في السحن بعد مطاردة في حقول القمح التي كانت تتطاول لتخفي الصبية، في السجن لم يكن يصل إليها أي طعام، إلا أن العصافير كانت تأتي لها بحبات الحنطة المسلوقة من على سطوح البيوت المجاورة وترميه لها في الغرفة، وتمثل رمزية الحنطة في قصة القديسة رمزية الحنطة في التراث الروحي المسيحي؛ فهي دلالة على التجدد والانبعاث، إضافة إلى كون الحنطة من المواد الرئيسة لأهل المنطقة، حيث يتشارك كل المشرقيين في تقديس هذا النبات».

جورجيت جبور

يبدأ تخزين الحنطة في موسم الحصاد، حيث تنتقى حبات الحنطة الجيدة الممتلئة من الحقول مباشرة، وتخزن وحدها، تضيف "فريال" وهي أيضاً ممن يخزنون الحنطة استعداداً ليوم القديسة "بربارة": «أثناء هروبها من مطارديها اختبأت في حقول الحنطة، لذلك من تقاليدنا الاحتفاء بالحنطة وتخزينها بعناية وأكلها؛ حيث نقوم بإعداد عدة أنواع من هذه الحبوب، مثل: "الحبوبية"، و"السليقة"، وتزين بـ"الملبّس" أو الحلويات، وهناك أيضاً رمزية روحية؛ فالسيد المسيح يقول: (حبة الحنطة إذا لم تمت وتدفن في الأرض لا تعطي ثمراً كثيراً)؛ أي إن القديسة تشبه حبة الحنطة التي ماتت وأعطت ثمراً كثيراً بشهادتها للمسيح».

يتم الحصول على الحنطة من الريف وفق طقوس يتشارك فيها الريفيون وأهل المدينة، تقول "جورجيت جبور": «الحنطة المنتقاة هنا تنقى بعناية من كل الأوساخ التي يمكن أن تكون فيها مثل: "الزوان"، "الشعير"، وحبات التراب الصغيرة، ثم تسلق في الماء النقي الطاهر على الحطب أيام زمان، ثم تجفف تحت أشعة الشمس وتعبأ في أوعية من الخيش وتترك استعداداً للعيد القادم أول الشتاء».

فريال حنا وصديقتها

وهناك عدة أغانٍ تتناقلها الصبايا احتفاء بالقديسة "بربارة"، منها: (هي هاشلة بربارة مع بنات الحارة)، و(كان يا ما كان.. في قديم الزمان.. بنت اسمها بربارة.. مليانة إيمان)، وتغنى هذه الأغاني كما تقول "حنا" في عيد القديسة مع طقوس أخرى منها التنكر وارتداء الأزياء التنكرية وتقمص الشخصيات الأخرى.

ويقوم أهل الساحل السوري والجبل وسهل الغاب بذات العملية، حيث يخزنون الحنطة لموسم الشتاء لطبخها في عيد القديسة "بربارة"، وتسمى الطبخة المرتبطة فيها بالاسم نفسه، تقول "مريم إبراهيم" من قرية "بستان الحمام": «إن الاحتفال بعيد البربارة قديم، حيث نقوم بطبخ الحنطة المسلوقة على الحطب ونضيف إليها اللحم أحياناً، وتترك حتى يصبح المزيج هلامياً، ويضاف إليها كالعادة الملح والماء حتى تنضج».

من الحنطة المنتقاة

ليست كل البيوت قادرة على الاحتفال بهذا الطقس، لذلك كان هناك من يقوم بتوزيع الطعام المطبوخ على الناس غير القادرين، فيقوم القادرون على توزيع الطبخة على الفقراء والمحتاجين لكي يشاركوا في هذا الطقس.

هذه المشاركة الطقسية بين مختلف مكونات السهل والجبل والساحل السوريين حدثت نتيجة العشرة الطويلة الأمد فيما بينهم، فتشاركوا ليس فقط في الاحتفالات الدينية بل والشعبية والزراعية، مثل: "عيد الرابع، والبربارة، والحلو، والأضحى، والفطر"، وغيرها.