يعتبر فن رسم الأيقونة من الفنون التي تميزت بها سورية منذ انطلاق المسيحية، وظهر عدد كبير من الرسامين المهمين عبر تاريخ سورية أسسوا مدارسهم الخاصة.

وبرز أحد أهم من اهتم برسم الأيقونة وهو قدس الأب "اسبيريدون فياض" ويعتبر أحد أهم رسامي الأيقونة السورية في العصر الحديث، وعمل على تأسيس أول معهد لترميم الأيقونة في محافظة "اللاذقية" معهد "القديس لوقا".

تابعت عدة معارض مختصة برسم وترميم الأيقونة السورية ولفت نظري طريقة الترميم المتميزة والرسم التي يقوم بها الأب اسبيريدون فتلاحظ أن الأيقونة تحافظ على نضارتها وكأنها رسمت الآن

موقع eLatakia توجه إلى المعهد بتاريخ 19/11/2011 والتقى قدس الأب "اسبيريدون فياض" ودار الحوار التالي:

إحدى الايقونات

  • متى بدأ اهتمامك برسم الأيقونة؟
  • ** بدأ اهتمامي برسم الأيقونة في المرحلة الثانوية وهذا الاهتمام جعلني اتجه نحو البحث عن أسرارها، وعن عمرها وموادها وللأسف في اللاذقية يوجد رسامون كبار لكنهم جميعاً لا يتعاطون رسم الأيقونة البيزنطية والتي تعتبر منهجاً دراسياً قائماً بحد ذاته، وانتظرت حتى دراسة اللاهوت وبدأت بتعلم مادة الفن الكنسي في معهد اللاهوت في البلمند فصار عندي عشق ومن ثم تابعت دراستي في اليونان في تسالونيكي وهناك انتسبت إلى مدرسة تابعة لراهب كان في الدير يعلم رسم الأيقونة ودرست وتابعت الدورات.

    ايقونة اخرى قبل وبعد الترميم

  • لماذا وأنت الرسام توجهت نحو ترميم الأيقونة؟
  • ** بعد تعلم رسم الأيقونة توجهت إلى تسالونيكي وخضعت لدورة عند أستاذ في المتحف البيزنطي وهو مرمم ورسام وكان الدافع الأكبر لتعلم الترميم هو افتقادنا للأشخاص المختصين في الترميم وبسبب المشاهدات المؤلمة لحال بعض الأيقونات نتيجة سوء الاهتمام بها من خلال تنظيفها بالماء والمواد الكيماوية، وأقوم الآن بالدراسة ضمن كلية اللاهوت قسم الآثار المسيحية "الفن البيزنطي الكنسي" في مدينة تسالونيكي عن أحد الرسامين غير المعروفين وهو الرسام اليوناني "ميخائيل الفتريوس" والذي لم يكن معروفاً في السابق ولكنه عاد للظهور كرسام من خلال الأيقونات التي ظهرت له فالرسم وبتعبير آخر كالمرأة التي يتكون في داخلها جنين ويتحول إلى طفل أما شعور الترميم فلا يوجد فيه ولادة بل هو إقامة ميت وقد أحسست بهذا الشعور وبالترميم أنت تحيي أيقونة وتعيد رساماً للذاكرة وتعيش حلاوة القيامة وعملي في الترميم دفعني للقيام بدراسة الدكتوراه في الفن البيزنطي.

    اثناء قيامة بالترميم

  • ما الفرق بين الأيقونة الشرقية والأيقونة الغربية؟
  • ** الفرق الأساسي بين الإيقونتين ثنائي البعد والأبعاد الثلاثة ففي الأيقونة البيزنطية لدينا الطول والعرض فقط، ولا يوجد عندنا سماكة ولا يوجد تجسيم أي انك تستطيع أن تحيط بالشخص والقديس لا يحاط لأنه دخل في الأبدية والأبدية غير محدودة أما في عصر النهضة فقد بدأ التجسيم أي دخلنا في المحدودية.

  • هل تستطيع أن تحدد الصفة أو الرتبة التي كان يشغلها رسام الأيقونة؟
  • ** من خلال الأيقونة التي بين أيدينا كمرممين نستطيع أن نعرف هل الرسام كان ضابطاً أو جندياً أو شهيداً ومن خلال تقاطيع الوجه في الأيقونة هل كان معلماً أو صواماً لأن كل تعبير أو لون له معنى فالأنف المستقيم يرمز إلى استقامة التعليم الكنسي والجبهة العريضة أنه معلم والفم الصغير يرمز إلى أمرين أنه كان صواماً لا يأكل كثيراً وضد الشهوة وليس ثرثاراً، والأذنان الملتصقتان أنه يستمع إلى صوت الله في داخله ولا يتلهى بأمور الناس والعيون الواسعة التي تدل على رؤية الإلهية أي انه عاين الرب يسوع، واللون الذهبي يرمز إلى المجد أي أن القديس يطل علينا من المجد الآتي أي انه خارج الزمان والمكان.

  • كيف تم افتتاح معهد "القديس لوقا" لدراسة رسم وترميم الأيقونة؟
  • ** تم افتتاح مركز القديس لوقا كمدرسة لتعليم الرسم في عام "2001" وذلك نتيجة الحاجة الماسة لوجود معهد يساهم في الحفاظ على الأيقونات التي تصبح مع الوقت في ظروف قاسية ونتيجة وعي الناس بتاريخ الأيقونة، تم تقسيم المنتسبين إلى المعهد إلى أربع مستويات، ويبدأ المستوى الأول بتعلم الرسم بقلم الرصاص، ومن ثم المرحلة الثانية تبدأ مرحلة التلوين بأقلام الخشب الملونة ليعرف الرسام التقطيعات وأما المستوى الثالث فيبدأ فيه التلوين بالمائي لكل القديسين مع الخلفيات، والمتممات للأيقونة وعندها تبدأ المرحة الرابعة وهي الأهم والأصعب "للوجه" ومن ضمنها يأخذون طريقة تحضير الخشب.

  • من خلال ترميمك للأيقونات القديمة والتاريخية ما العدو الأكبر للأيقونات؟
  • ** العدو الأكبر للأيقونة هو الماء "الرطوبة".

  • هل هناك اختلاف بين ترميم الأيقونة الشرقية والغربية؟
  • ** بما أن تقنية الرسم تختلف بين الأيقونة الشرقية والأيقونة الغربية فكذلك تختلف تقنية الترميم، فالأيقونة البيزنطية والتي استمرت في الانتشار حتى بعد سقوط القسطنطينية 1453 في كل من سورية ولبنان وفلسطين، والتي أخذت جمال الجسد وحولت هذا الجمال إلى جمال الروح وجردت الجسد من المفاتن كالعضلات والخدود المنتفخة وأعطت أبعاداً أخرى، وهذا سبب أننا لا نقول بأننا نشاهد الأيقونة بل نقرأ الأيقونة، لكن في الغرب فقد تحولوا بعد السقوط إلى الجمالية الإغريقية القديمة "عودة إلى جمال ومفاتن الجسد" فدائماً هناك اختلاف.

    وقد قالت الآنسة "هلا ميخائيل نصار" مدرّسة في المعهد حول الترميم: «طلاب معهد "القديس لوقا" دخلوه من محبتهم لتعلم الرسم الخاص بالأيقونة وثانياً طريقة التدريس التي تدفع المتلقي للتعليم إلى الشعور بالسعادة ولا تحبطه، والانتباه إلى إمكانيات كل شخص فلا تستطيع أن تطلب من شخص طاعن في السن ما تطلبه من شاب صغير وخاصة أن الموهبة أساس والفن يختلف عن العلم فالعلم تستطيع أن تضيفه إلى حياتك ولكن الفن من الصعب أن تعلمه لشخص، فأنت تنمي الموهبة ومن الممكن أن يوجد طلاب لا يملكون الموهبة ولكن لا بد من تشجيعهم والأب "اسبيريدون" يساهم في تشجيع الجميع على إتقان العمل الفني والروحي معاً».

    أما الشاب "ألبير جميل كوسا" وهو طالب في كلية الفنون الجميلة تحدث عن تجربته في رسم الأيقونة فقال: «تابعت عدة معارض مختصة برسم وترميم الأيقونة السورية ولفت نظري طريقة الترميم المتميزة والرسم التي يقوم بها الأب اسبيريدون فتلاحظ أن الأيقونة تحافظ على نضارتها وكأنها رسمت الآن».

    الجدير بالذكر أن الأب اسبيريدون شارك في عدد من المعارض منها معرض الأيقونة الذي أقيم في مكتبة الأسد بدمشق عام 1987 ومعرض الجامعة الأمريكية ببيروت تحت رعاية وزيرة الثقافة السورية الدكتورة نجاح العطار ووزير الثقافة اللبناني ميشيل اده والذي أقامته رابطة الطلاب السوريين في الجامعة الأمريكية ببيروت، ومعرض للجالية اليونانية في اليونان برعاية السفارة اليونانية وإضافة لمعارض متنوعة.