وسط منطقة جبلية مأهولة في الجانب الغربي من جبل "الوسطاني" وعلى ارتفاع 450 متراً عن سطح البحر تتناثر آثار "طورين" على بعد 12كيلومتراً من "دركوش" و25 كيلومتراً عن مدينة "إدلب".

ويقول "عبد الله محمود السليمان" رئيس بلدية "الضهر" التي يتبع لها موقع آثار "طورين": «تعتبر "طورين" أو "تورين" من أهم وأكبر البلدات الأثرية في جبل "الوسطاني" وهي تعود للعهد الروماني وقد كانت عاصمة المنطقة الإدارية فيه خلال الفترة التي استوطن فيها السكان في هذه المنطقة منذ أوائل القرن الثاني الميلادي، واستمر السكن فيها حتى العهد البيزنطي والفترات الإسلامية الأولى وأصبحت مكاناً خاصاً لإحدى العائلات الإقطاعية الذين قدموا من أوروبا خلال الحروب الصليبية كما تشير إلى ذلك الدلائل والمعلومات التاريخية والأثرية».

تم التعرف إلى "طورين" من خلال كتابة وجدت في موقع "الحصن" في جبل "الدويلة" وتاريخها 367-368 ميلادي ومنها عرفنا أن "تورين" كانت موقعاً كبيراً استقر فيه إلى جانب سكانه مجموعة من السكان الرومان وبحسب الكتابة فإن فرقة عسكرية رومانية كانت موجودة في "طورين"

وأضاف "السليمان": «وتشير تلك المعلومات التاريخية إلى أن "طورين" ازدهرت في القرن الرابع الميلادي وكانت صلة الوصل بين جبل "الدويلي" والقرى الأخرى القريبة منها ومع "دركوش" الواقعة على نهر "العاصي" التي كان يتم عبرها شحن المنتجات الزراعية باتجاه "إنطاكية" وهناك آثار لمعصرة زيتون تدل على جانب من نشاطات أهلها الزراعية وتتميز آثار "طورين" بوجود المدافن الصخرية التي نحت فوقها رسوم أصحابها».

بقايا الحجارة التي تدل على الأبنية التي كانت قائمة

وعن أهم آثارها التي لا تزال قائمة يقول الباحث "عبد الحميد مشلح": «تضم "طورين" عدداً من الأوابد الأثرية التي لم يبق منها سوى بعض الأجزاء والخرائب التي تدل على تلك الأمكنة وبعضها مزينة بالزخارف والنقوش والرسوم المعروفة في تلك الحقبة الزمنية التي تعود إليها ومنها بقايا الدير والكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية وهي ذات نمط بازليكي وفيها عدة كتابات تعود للفترة البيزنطية ويرقى بناء هاتين الكنيستين إلى القرن السادس الميلادي وتحولت في فترة الحروب الصليبية إلى حصن اعتمد عليه "الفرنجة" كحصن دفاعي خلفي ل"دركوش" حيث لا تزال بعض جدرانها قائمة بحجارتها الضخمة إضافة إلى وجود بعض الأعمدة والحجارة والتيجان المزينة بالرسوم المتناثرة حولها، كما يوجد في الجهة الشرقية من الموقع مقبرتين كبيرتين إحداهما تحتوي على مدافن تحت الأرض منحوتة بالصخر أبوابها حجرية مستديرة وعليها بعض النقوش النافرة وأهمها المدفن الوثني».

ويقول الباحث "نيقولا كباد": «تم التعرف إلى "طورين" من خلال كتابة وجدت في موقع "الحصن" في جبل "الدويلة" وتاريخها 367-368 ميلادي ومنها عرفنا أن "تورين" كانت موقعاً كبيراً استقر فيه إلى جانب سكانه مجموعة من السكان الرومان وبحسب الكتابة فإن فرقة عسكرية رومانية كانت موجودة في "طورين"».

نقوش وتزيينات للأعمدة والتيجان

وأضاف: «إن كثرة خرابها ونمط البناء الموجود يدل على ما كانت عليه من الازدهار والتطور كما تشير مجموعة القبور الصخرية النحتية والغرف الجنائزية المبنية على غنى سكانها والأهم هو عدد الكنائس الكبيرة التي اكتشفت في الموقع والتي يصل عددها إلى سبع كنائس مع كنيسة جنائزية صغيرة، اثنتان منها في القسم الغربي وتتباعد عن بعضها بمسافات قصيرة واثنتان منها تعودان للقرن السادس والثالثة للقرن الخامس الميلادي، والدراسة التفصيلية في إحدى هذه الكنائس قدمت لنا صورة واضحة عن طبيعة التغيرات والانتقال من الهياكل الدائرية كما هو الحال في قلعة "سمعان" و"بنقوسا" وتحولها إلى الهياكل المستقيمة كما هو في "تورين" و"ديرسيتا"، ونظراً لأهمية آثار "طورين" التاريخية والأثرية والمشهد الطبيعي الذي يجتمع فيه جمال الموقع وعراقة الآثار وتعايش السكان مع هذا المحيط على مدى السنوات الطويلة فقد أدرجت "طورين" ضمن مواقع جبل "الوسطاني" الأثرية التي شملها الملف الذي قدم لمنظمة "اليونسكو" لتسجيل بعض المواقع الأثرية بالمحافظة على لائحة التراث العالمي والذي تمت الموافقة عليه وهذا الأمر سيعطي هذه المواقع مزيداً من الاهتمام والرعاية وسيعرف العالم على الحضارة التي عاشها أهل المنطقة منذ آلاف السنين».

مدفن منحوت بالصخر