تنتشر في الهضبة الكلسية في محافظة "إدلب" العديد من الأبراج التي استخدمت خلال القرون الميلادية الأولى للعبادة والتنسك، ومن أبرز أبراج التنسك التي ما تزال قائمة حتى اليوم ما نشاهده في قرى "الجرادة والرويحة وشنشراح" الأثرية.

الباحث الأثري الأستاذ "أحمد غريب" تحدث لموقع eIdleb عن أبراج التنسك بالقول: «ابتدع "سمعان العمودي" وهو قديس عاش في أواسط القرن الخامس الميلادي في جبل "سمعان" من محافظة "حلب"، ابتدع مذهباً في العبادة والتضرع إلى الله عبر تشييده عموداً ووقف فوق هذا العمود لمدة 18 عاماً، وقد توفي في عام 456 م وبقي طوال هذه الفترة بحالة تنسك وتقشف كبيرة، ومن ثم انتشر هذا المذهب "السمعاني" في المنطقة، حيث يوجد في قرية "جرادة" الأثرية الواقعة شمال مدينة "معرة النعمان" بحوالي 13 كم برج تنسك رائع يتوسط المدينة من الجهة الشرقية ضمن مجموعة خرائب أثرية، وهو بارتفاع 18 متراً مبني من حجارة كلسية منحوتة متوسطة الحجم وكبيرة، وهو مؤلف من خمس طبقات يصعد إلى الطبقات العلوية عبر سلم خشبي، ولا يزال الباب البازلتي الأصلي موجوداً في هذا البرج، كما نلاحظ في الطابق العلوي حيث كان يجلس المتنسك، نلاحظ فتحة في الجدار للصرف الصحي، حيث كان يجلس المتنسك لفترات طويلة دون أن ينزل، وكان الناس يلجؤون إليه ليدعو لهم ويتبركوا به.

لا يزال بحالة سليمة يتكون من ستة طوابق بارتفاع 18 مترا وهو مربع الزوايا طول ضلعه 5.5 أمتار، في الطابق الأرضي للبرج باب صغير هو مدخل البرج مؤلف من حجرة واحدة بازلتية فيها نقوش جميلة وسقف الطابق الأول مؤلف من بلاطات حجرية وسقوف الطوابق الأخرى كانت من خشب وكذلك السلم والدرج، لكل طابق نافذة صغيرة وللطابق السادس شباك بشكل صليب في كل من جوانبه الأربع وينفتح الشباك على بلكون يحيط بجوانب البرج الأربع، قمة البرج مزخرفة بإفريز نافر، وفي الطابق الخامس دورة مياه مربعة الشكل تبرز عن جدار البرج بمقدار 80 سم يتوسط أرضها تجويف مستدير بقطر 25 سم كان موصولاً بأنبوب فخار بينها وبين حفرة فنية في الأسفل

وبرج "جرادة" من حيث الزخرفة رائع وجميل، والطبقة العلوية تضم حجارة متطاولة عن البناء وهي عبارة عن شرفة كان يجلس عليها المتنسك، وقد خُدّم مكان جلوسه بكل ما يحتاج إليه، وتم تزويد مكان إقامته بدورة مياه وهي موجودة محفورة في جزء من الجدار، وكان الأنبوب يلتصق بالجدار ويصل إلى حفرة فنية».

برج الجرادة

ويتابع الأستاذ "أحمد غريب": «كذلك في قرية "رويحة" على بعد 2 كم من موقع "الجرادة" يوجد نموذج آخر مختلف لأعمدة التنسك ويسمى "عمود بنت الوزير"، وهو بناء غريب الشكل يقع غربي الكنيسة الجنوبية بحدود 25 متراً، وهو بناء قائم على أعمدة كورنثية متوجة بتيجان كورنثية وأيونية، ومن الأعلى لها أنصاف أعمدة مزينة بتيجان، تسمية هذا البرج تؤكد أن التنسك في العهد البيزنطي أو في القرن الخامس الميلادي لم يكن حكراً على الرجال فقط وإنما أيضاً كان للنساء حصة في موضوع التنسك، وفي قرية "الدانا الجنوبية" إلى الجنوب من قرية "الرويحة" بحوالي 8كم، يوجد بناء مؤلف من ثلاث طبقات يسمى "دير البنات"، وهذه التسمية مكررة جداً في القرى الأثرية في شمال سورية، وهذا يعنى بأن التنسك والتدين والترهب كان موجوداً أيضاً في المنطقة خلال العهد البيزنطي في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، وما يلفت النظر إليه في قرية "شنشراح" الأثرية التي تقع غرب مدينة "معرة النعمان" بحدود 10 كم، وهي مدينة رائعة ترقى للقرن الرابع الميلادي مؤلفة من عدد من الكنائس ومجموعة من الأديرة والفيلات الضخمة، وقد انتصب إلى الشرق من هذا الموقع عمود للتنسك مربع الشكل يشبه إلى حد بعيد عمود "جرادة" الأثري، وبما أن التنسك حالة دينية فكانت أبراج التنسك تقوم بقرب كنيسة أو دير ولكن في المراحل المتأخرة ولا سيما خلال الحملات الصليبية على "سورية" استخدمت تلك الأبراج للمراقبة وهذا ما نلاحظه بشكل واضح في برج شنشراح حيث يوجد هذا البرج بطرف المدينة الشرقي ويبعد عن العمائر بحدود 100 متر».

وعن "عمود بنت الوزير" في "الرويحة" يقول المؤرخ "فايز قوصرة": «هو مكان صومعة لناسك أو ناسكة لوجود قبر في الأسفل كما في بناء الصومعة في "كوكنايا" في جبل "باريشا"، وقد ذكرت الرحالة "بيل" هذه الصومعة عندما زارت المنطقة عام 1905، حيث كتبت عنها تقول: وفي "رويحة" كنيسة أخرى ولكنها أقل كمالاً من "بيزوس" ليست بذات الروعة في تصميمها ولكن فيها شيء جدير بالاعتبار، ينتصب محاذياً الجدار الجنوبي للكنيسة كبرج جرس أو ضريح أو منبر وعظ وليس بالإمكان تفسيره إطلاقاً، إنه مؤلف من طابقين السفلي فيه ستة أعمدة تدعم المنبر من الجدار السفلي والذي يرتفع على أربع دعامات متوازية ليحمل القبة أو المظلة، إنه يتشابه مع بعض الأضرحة الإيطالية الشمالية على سبيل المثال نصب "رولاندينو" في مقاطعة "بونيا" في "إيطاليا"، وما يلفت النظر أن يحدد المشاهد غريزياً مدى تشابهه مع البناء الجميل في "رويحة"».

عمود بنت الوزير في الرويحة

ويرى الأستاذ "عبد الحميد مشلح" أن برج "الجرادة " «لا يزال بحالة سليمة يتكون من ستة طوابق بارتفاع 18 مترا وهو مربع الزوايا طول ضلعه 5.5 أمتار، في الطابق الأرضي للبرج باب صغير هو مدخل البرج مؤلف من حجرة واحدة بازلتية فيها نقوش جميلة وسقف الطابق الأول مؤلف من بلاطات حجرية وسقوف الطوابق الأخرى كانت من خشب وكذلك السلم والدرج، لكل طابق نافذة صغيرة وللطابق السادس شباك بشكل صليب في كل من جوانبه الأربع وينفتح الشباك على بلكون يحيط بجوانب البرج الأربع، قمة البرج مزخرفة بإفريز نافر، وفي الطابق الخامس دورة مياه مربعة الشكل تبرز عن جدار البرج بمقدار 80 سم يتوسط أرضها تجويف مستدير بقطر 25 سم كان موصولاً بأنبوب فخار بينها وبين حفرة فنية في الأسفل».

أحمد غريب