عُرف الزيتون منذ القديم، وانتشرت زراعته في محافظة "إدلب" منذ آلاف السنين، وكان لابد من وجود المعاصر، التي تقوم بعصر الزيتون، تماشياً بذلك مع الحاجة إلى وجود الزيت، واستخدامه من قبل الناس ومنذ زمن بعيد، فكانت المعاصر الحجرية القديمة، التي كغيرها من الأعمال السائدة في ذلك الوقت اعتمدت على اليد العاملة في مجملها، وكانت لها طريقة عمل تتطلب وجود عدد كبير من العمال والعاملات، وتتطلب بذل الكثير من الجهد والوقت، في عصر كميات الزيتون القليلة، ولكن مع مرور الوقت والثورة الصناعية التي حدثت في الفترة الأخيرة، عملت على إدخال الآلة في كل مجالات الحياة، فكانت معاصر الزيتون الحديثة، التي تعصر آلاف الأطنان من الزيتون، بأقل وقت وجهد، وليس للعامل دور سوى مراقبة الآلة وهي كفيلة بانجاز العمل على الوجه الأكمل.

موقعeIdleb التقى السيد "مصطفى النايف" العامل في إحدى معاصر الزيتون القديمة، والذي حدثنا عن المعصرة القديمة قائلاً: «أُطلق فيما مضى على معصرة الزيتون الموجودة في قريتنا "سرجة""المنجنا"،وهي كلمة "تركية"، كانت طريقة العمل كلها تتم على أيدي العمال، وبذلنا الكثير من الجهد في ذلك، وعانينا أشد المعاناة حتى ينتهي موسم عصر الزيت، فكانت البداية تتم بإحضار الزيتون معبأ بأكياس الخيش أو النايلون إلى المعصرة، وكل مزارع يقوم بتنقية الزيتون من التراب والحصى والأوراق العالقة به، ومن ثم يوضع في منطقة مخصصة في المعصرة، وهي عبارة عن جرن كبير مملوء بالماء، ليتم غسله، ويُنقل إلى القسم الآخر، وهو "الكسارة" ليتم طحن الحب، و"الكسارة" عبارة عن حجر كبيرة تشبه "الرحى" مثقوبة بالوسط يصب الزيتون بهذا الثقب، ولها من أحد أطرافها ثقب آخر، تُعلق به عصا كبيرة تربط إلى ظهر أحدى حيوانات الجر ليقوم بتحريكها من خلال الدوران حول هذه "الرحى" الكبيرة، ومن خلال عملية الدوران يتم طحن الحب بشكل كامل ليصبح جاهز للعصر».

لا تختلف المعصرة الحديثة من حيث التصميم وخطوات العمل عن المعصرة القديمة، بل هي عبارة عن معصرة قديمة، ولكن تم تطبيق المراحل اليدوية بشكل آلي، فمن المصب وحتى طريقة غسل المحصول وعملية طحنه وطريقة تصفية الزيت كلها اتبعت في المعصرة القديمة، ولكن الفرق الآن أنه يتم بطريقة آلية بحته بدون أي تدخل من العمال سوى المراقبة وحسب

ويضيف السيد "مصطفى": «ينتقل بعد ذلك إلى عامل "العلائق"، وهي قطع كبيرة من القماش القاسي، يوضع الزيتون المطحون بداخلها، ويتم ربطها بإحكام وتُطبّق فوق بعضها البعض، وتوضع مجموعة من "العلائق" وتوضع بآلة العصر ويتم ضغطها بـ"الكباس"، وهو قطعة دائرية من المعدن تركب على مجرى فيه شرار من الأعلى، ويعتمد على طريقة التدوير، ويحتاج إلى قوة عضلية كبيرة، حتى يتم ضغط "العلائق" بقوة ليعصر الزيتون الموجود بداخلها ويخرج الزيت، وبعد أن توضع "العلائق" بآلة العصر يُسكب عليها ماء ساخن لكي يساعد على الضغط بشكل أفضل، ويسيل الزيت والماء العالق به إلى "المعين"، وهو جب محفور بالصخر تحت آلة العصر، وبعد أن يمتلأ هذا الجب يترك برهة من الوقت حتى يطفو الزيت على سطحه، وينزل "الزبار" إلى الأسفل، و"الزبار" هو الماء والشوائب الأخرى التي بقيت معه، فيأتي عامل مختص ويقوم بتعبئة الزيت، ويبقى "الزبار" بأسفل الجب، حيث يوجد ثقب بأسفله يُفتح فيخرج "الزبار" عبر ساقية محفورة بالصخر إلى خارج المعصرة، وأما ما يبقى داخل "العلائق" فهو "البيرين"، يعبأ بأكياس الخيش ويتم نقله على الدواب وبيعه في المدن كـ"أريحا والمعرة"».

السيد احمد زين الدين

ويقول السيد "أحمد زين الدين": «تحتاج المعصرة القديمة إلى عدد من العمال حتى يستطيعوا تشغيلها بشكل جيد، عاملان يقومان بغسل الزيتون وتنظيم الدور، وعاملان آخران للعمل على الكسارة ومراقبتها، وعامل على النار لتسخين الماء وسكبه على "العلائق"، و"تربجيان"،و"التربجي" هو العامل الذي يقوم بتعبئة "العلائق" بالزيتون المطحون، و"المعلم" وهو الذي يعمل على آلة العصر ويضع "العلائق" في مكانها على "المكبس" ويساعده عاملان في عملية ضغط "المكبس"، إضافة إلى نساء اثنتين من أجل نقل الماء إلى المعصرة».

وتقول السيد "فاطمة العاصي": «وللنساء دور في العمل أيضاً فنقوم بتجميع "الزبار" الذي يخرج عبر ساقية إلى خارج المعصرة، في أوعية نحاسية خاصة، ويتم معالجته بطريقة معينة، وتصنيع الصابون منه، وكانت تصنع كميات كبيرة من الصابون في موسم العصير، ليباع في القرية، وما يزيد عن حاجة القرية يُأخذ إلى المدن، ويطلق على النساء اللواتي يأخذن "الزبار" ويصنعن منه الصابون اسم "البلادات"».

الكسارة في المعاصر القديمة

أما في المعاصر الحديثة فالأمر مختلف تماماً، فلا عمل لليد البشرية سوى مراقبة الآلة، ولا يوجد وجه للمقارنة بين المعاصر القديمة والحديثة، ناهيك عن الفارق الزماني والجهد المتوفر وكميات الإنتاج، وللتعرف على الطريقة الآلية في عصر الزيتون التقينا الحاج "صالح سعدو" صاحب معصرة "طيبة" لعصر الزيتون والذي يقول: «العمل آلي في كل أجزاءه ابتداءً من تفريغ الأكياس في مصب المعصرة، وانتهاءً لتحميل "البيرين" الذي تلقيه المعصرة إلى الخارج، والمعصرة مقسمة لعدد من الآلات التي تعمل بشكل متكامل، وينتقل الزيتون من المرحلة إلى التي تليها عن طريق أنابيب مخصصة، حتى يصل إلى آلة التعبئة، ويتسلم المزارع الزيت معبأ بـ"التنك" ولم تمسه الأيدي، ومصرتنا حديثة ومتطورة وفيها خطين للإنتاج».

ويضيف الحاج "صالح": «يصلنا الزيتون محمل بالسيارة، فنقوم بنقل الأكياس إلى عربة مخصصة، يدفعها أحد العمال حتى تصل إلى "المصب" وهو قفص كبير من المعدن موضوع بحفرة مخصصة في أرض المعصرة، فنقوم بفتح الأكياس وصب الزيتون داخله، وعن طريق "قشاط" متحرك يصل إلى "المصب" يُنقل الزيتون إلى الآلة المختصة بالتنظيف، لتقوم بتنقية الحب من أي شوائب عالقة به، كـ"الحجارة والتراب والأغصان الصغيرة والأوراق" وغيراها، ومن ثم ينتقل إلى آلة أخرى تقوم بكسره وطحنه».

السيد علاء الأحمد

وعن عملية الكسر والطحن يقول السيد "عبد الله قرجو" العامل على آلة كسر الزيتون: «تقوم هذه الآلة بكسر الزيتون وتفتيته إلى أجزاء صغيرة، ومن ثم بطحنه وعجنه ومزجه بالماء، ليصبح بداخلها طرياً كأنه عجين، وتستمر عملية العجن داخل هذه الآلة مدة نصف ساعة، وبعد ذلك ينقل إلى آلة "الديكانتر" والتي تقوم بفصل الزيت عن الشوائب، بمقدار /80/بالمائة، ويتنقل بعدها إلى "الفرازة" إلى تقوم بتصفيته تماماً، وتعتمد عملية الطرد المركزي في فصل الزيت عن بقية الشوائب العالقة به، ومن ثم إلى آلة الوزن والتعبئة، والعشرين بالمائة التي تبقى داخل "الديكانتر" تخرج من طريق آخر وتُكب إلى خارج المعصرة وتسمى "البيرين"».

ويقول السيد "مصطفى الأحمد" محاسب المعصرة: «في المرحلة الأخيرة يتم تعبئة الزيت بأدوات مختلفة، أهمها "التنك"، الذي ينصح بعدم تعبئته أكثر من مرة، لأنه في حال تكرار التعبئة فإنه يؤدي إلى تفاعلات "كيميائية"، تؤدي إلى التسمم، ويُنصح المزارعين بعدم تعبئة الزيت بالأوعية "البلاستيكية" الملونة، لأن تعرض هذه الأوعية إلى الشمس أو الحرارة يؤدي إلى فرز مواد سامة أيضاً، وعانينا كثيراً من هذه المشكلة ولم نستطع أقناع الفلاحين بذلك».

أما السيد "علاء الأحمد" أحد عمال المعصرة يقول: «لا تختلف المعصرة الحديثة من حيث التصميم وخطوات العمل عن المعصرة القديمة، بل هي عبارة عن معصرة قديمة، ولكن تم تطبيق المراحل اليدوية بشكل آلي، فمن المصب وحتى طريقة غسل المحصول وعملية طحنه وطريقة تصفية الزيت كلها اتبعت في المعصرة القديمة، ولكن الفرق الآن أنه يتم بطريقة آلية بحته بدون أي تدخل من العمال سوى المراقبة وحسب».