لم يكن أحد يتخيل الحياة في البادية دون حصان، فهو العدّة والعتاد للحرب والغزو والصيد،هو الملهم للشعر، وهو المحطة للفخر والاعتزاز عند العربي، وقد كتب كثير من الرحالة والمستشرقين عن هذا الحصان مثل الجنرال "دوماس"، والنقيب "وبتون"، والليدي "آن بلنت" وزوجها.

وكذلك الكونت "ستروغانوف"، وغيرهم بعد أن زار هؤلاء موطن الحصان العربي وتسوق بعضهم خيولاً نقلت إلى أوربا وروسيا للتربية النقية والمختلطة، وقاموا بتوصيف هذا الحصان، وكذلك قبائل وعشائر البدو فقد اختار هؤلاء خيولهم كلّ على ذوقه حيث أن وجود الاختلاف في النموذج الواحد داخل السلالة الواحدة أمر طبيعي لكل سلالات الخيول ونذكر هنا بعض أشهر هذه الفصائل: "الكحيلات، المعنقيات، السقلاويات، أمهات عرقوب، الشويحات الدهم، الطوقانيات، المليحات".

نلت المركز الأول في سباق الجزيرة السورية والمركز الثاني في مهرجان "حماة" الدولي

بعض هذه الفصائل موجود في مزرعة المربي "أديب السطوف" الواقعة في قرية "تلمنس" شرقي "معرة النعمان" /بأربعة كيلومترات/ تقريبا ففي جولة لموقع eidlebبتاريخ 21/2/2009م ضمن مزرعة المربي "السطوف" كانت الخيول بأشكالها الجميلة تراقبنا كما نراقبها، وكأنها عرفت بأننا غرباء عن المكان، وقد قال "السطوف": «أملك في مزرعتي ثلاثين رأساً أصيلاً مسجلاً في منظمة "الواهو" ومن أهمها "السقلاوي، والسقلاوي بن بصرى، وكحيلى نواقي، وكحيلى بن مزهر، وشويمة السباح، وعبيّ، وأم عرقوب، والعبيان».

أديب السطوف مع ابنته وأبيه

"السطوف" يحتل المركز الرابع أو الخامس على مستوى القطر بتربية الخيول المسجلة في المنظمة، وهو مارس هذا العمل دون سواه لعشقه الحصان العربي الأصيل عن ذلك يقول: «في طفولتي كان والدي يربي حصاناً أصيلاً في منزلنا فكبرت وكبر عشقي لهذا الحيوان الرائع، وهو ما دفعني فور عودتي من غربتي أن أقيم هذه المزرعة وأن أكرس اهتمامي للخيول العربية وللصقور بأنواعها أيضاً».

وأضاف "السطوف": «وأستعد منذ ستة أشهر تقريباً لخوض عدد من السباقات بكلّ من "الحصان غنّام" وهو حصان تحمّلْ، وكذلك بالحصان "قاسيون" ومن هذه السباقات التي سيشارك فيها ذكر سباق /الألفي متر/ الذي سيقام في قطر، وكذلك في المهرجان الدولي والذي سيقام في "حماة" في الشهر الخامس لعام /2009/ بحصان "قاسيون" وأنا على يقين بالفوز في كلا السباقين إن شاء الله، وسيكون ذلك الفوز هدية لزوجتي لأن المشاركة ستكون باسمها. وأيضاً هناك العديد من المشاركات التي ننوي حضورها كسباق دبي والبادية».

جانب من المزرعة

وعن مشاركاته والمراكز التي حققها سابقاً قال: «نلت المركز الأول في سباق الجزيرة السورية والمركز الثاني في مهرجان "حماة" الدولي».

ثم انتقلنا للحديث عن الصعوبات التي يواجهها كمربي للخيول فما أن سألناه عن هذه الصعوبات حتى بدأ الحديث عن هموم وشجون تربية الخيول العربية الأصيلة بقوله: «أهم هذه المعوقات عدم وجود نادي للخيل في محافظة "إدلب" وهذا مؤسف حقاً، وكذلك على الرغم من التشجيع والدعم الذي نسمع عنه لمربي الخيول، ليس هناك مشافي بيطرية خاصة بالخيول، ففي جولتي على عدد من الدول الأوربية وجدت هذه المشافي متواجدة في كل قرية وبلدة أوربية ونحن بلد الخيل فهل يعقل هذا التقصير؟ وبالنسبة لنا حين نحتاج لطبيب بيطري مختص بالخيول علينا أن نستعين بطبيب من "حلب".

نهاية الجولة مع العتابا المرافقة وعزف الربابة

هذا من جهة ومن جهة ثانية فإنّ كمية الأعلاف التي تقدمها لنا الدولة شهرياً والتي لا تتجاوز /الخمسين كغ/ من العلف لا تكفي لمدّة أسبوع».

ولأن الفرس لا يولد مطيعاً ومدرباً لذا لابد من ترويضه وهو (مهر) على القيام بما يطلب منه وأول خطوة في هذا المجال تحدّث لنا "السطوف" بقوله: «الترويض يبدأ بلمسه باليد على وجهه وعنقه وظهره وتستمر هذه العملية حتى يألف السائس ويطمئن له بعد ذلك يعوّد على لبس اللجام ووضع سرج خفيف على ظهره، ومن ثم يمسك بمقود طويل ويعلم السير على شكل دائرة وعلى خط مستقيم ويوضع عليه خرجاً فيه أثقال حتى يعتاد على تحملها، ومتى اعتاد المهر على كل ذلك يمتطيه رجل خفيف الوزن، أما إذا قام المهر بالمقاومة فلابد من تسكينه بهدوء ولطف ويتكرر ذلك حتى يعتاد المهر ويسكّن، عند ذلك يقاد وهو مركوب إلى طرق عامة حتى يألف الضوضاء».

أمّا عن ترويض خيل السباق فقال: «عملية الترويض هذه تحتاج إلى ستة أشهر، فهي تجري على المهر الذي بعمر/ 18 شهر/، وذلك بتعويده على السير سيراً عادياً لمدة ساعة ونصف يومياً، خلال الخمسة عشر يوماً الأولى، ولثلاث ساعات في الخمسة عشر يوم الثانية، ويعرق الفرس لأول مرة بعد انقضاء الشهر ليضمر ولكي يقوم جلده بوظيفته بشكل كامل، ويتم ذلك بتغطيته بغطائين غليظين، وإجباره على العدو لمسافة ستة كيلو مترات، على أن تزداد السرعة في مراحلها الأخيرة، ثمّ يرفع الغطائين بعد ذلك وينشف العرق، ويدلك الجسم دلكاً قوياً، وبعد انتهاء هذه الفترة يدرب على العدو يومياً لمسافة واحد كيلو متر في البداية، ثم تزداد هذه المسافة تدريجياً كل خمسة أيام، ويكون العدو خفيفاً في الأيام الأولى، ثم تزداد السرعة، ويعود الفرس بعد مرور شهرين على العدو السريع مع الخيل الأخرى، على أن تكون المسافة أكبر».

وختم "السطوف" حديثه عن ضرورة تأمين دعم أكبر لمربي الخيول فهي كما يراها ثروة حقيقية يجب على الدولة أن تقدّم كلّ ما تستطيع من إمكانيات للمحافظة على هذه الثروة، وفي نهاية جولتنا كانت الاستراحة في منزل صاحب المزرعة ومربي الخيول "أديب السطوف" لسماع العتابا المرافقة للعزف الجميل على الربابة.