"التوثيق الأثري" وفن التعامل مع الآثار هو طريقة لحفظ الأرشيف التاريخي والأثري من مخطوطات ولُقى أثرية إضافةً إلى المباني التاريخية، ويأتي تداول هذا التراث من خلال وسائل مختلفة من أساليب يدوية واستخدام تكنولوجيا، وذلك عبر نظام قوانين حكومية أو بواسطة خبراء مختصين في دمج التكنولوجيا وزجها في بنك المعلومات الأثري أو من خلال جهود شخصية لها علاقة بالعلوم المتصلة بعلم الآثار.

وفي الحديث عن هذا الموضوع، أجرينا مجموعة من اللقاءات على هامش ندوة "المعلوماتية في خدمة الآثار" التي أقامتها الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في "إدلب" نهاية آيار الماضي، وكان الهدف رصد مجموعة من الآراء التي تتعلق بالتوثيق الأثري واستخدام تكنولوجيا المعلومات الأثرية، والبداية كانت مع ضيف مصري هو مدير المسح ثلاثي الأبعاد في هيئة الآثار المصرية المهندس "ابراهيم الرفاعي"، وفي موضوع يتعلق بالمحاضرة التي قدمها عن توثيق الآثار المصرية وإعادة تشكيلها افتراضياً، قدمنا عدة تساؤلات عن إمكانية تطبيق التجربة على الآثار السورية وكيفية تطوير الإمكانات العربية في ميدان البحث والتوثيق الأثري، فأجاب قائلاً: «بما أن الآثار متشابهة أعتقد أنه يمكن تطبيق تجربتنا على الآثار السورية ضمن مستويات مختلفة من مدى عالٍ ومتوسط ومنخفض، ويمكن تطبيقها على أماكن أثرية ورصد تغييراتها الأثرية مثل مقارنة تلة أثرية على أرض الواقع مع نفس التلة ممسوحة افتراضياً على الحاسوب، والبناء على هذه المقارنة افتراضياً أيضاً، هذا المسح الافتراضي يؤدي إلى التوقع وبدوره التوقع يفرز اكتشافات جديدة، وبالضبط هذا ما حصل معنا في اكتشاف أحد المواقع في مصر، وبالنسبة لتطوير إمكاناتنا العربية نحن بحاجة لجيل من المتخصصين والعمل لسنين طويلة بشكل متواصل، وبذلك لن نختلف عن أي دولة في العالم، وليس من المستغرب أن يقوم مركزنا المصري التابع لهيئة الآثار بتصدير تجارب ومناهج إلى أوروبا، وبما أن العلم لا تحده حدود فإنه لا مانع من الاستفادة من تجارب الغير سواءً من العرب أو الأجانب».

أتمنى أن تُعمم التجربة في سورية كما تعممت من قبل في الجامعة الألمانية التي أعمل بها، وهي ثمرة ابتكار شخصي ليس إلا

وفي لقاء آخر ضمن هذا الإطار حدثنا الأستاذ "نظير عوض" وهو مدير المباني والتوثيق الأثري في مديرية الآثار عن عدة نقاط منها تطبيق التجربة المصرية في المسح ثلاثي الأبعاد وعن خطوات توثيق اللقى الأثرية التي تتبعها المديرية، حيث قال: «مشروع التوثيق بالمسح الثلاثي الأبعاد موجود عندنا، حيث شاركنا في هذه التجربة من خلال مشروع إيطالي سوري، وأجابت التجربة المذكورة على العديد من الأسئلة، ويوجد تعاون أيضاً من أجل توثيق العديد من المباني باستخدام أحدث التقنيات العلمية، وكما الآثار المصرية يوجد لدينا قطع فريدة قابلة للمسح، وعملنا سابقاً مع المصريين كفريق مشترك على أحد المباني الأثرية في "دمشق"، أما مسألة توثيق اللقى فهو أمر يخص المتاحف، وهذه اللقى تمر بمراحل أولها الاكتشاف في الحقل الأثري بأيدي منقبين هم يحددون لكونها نادرة وقابلة للعرض، وتنتقل بعد ذلك إلى متحف العرض، وتلك المراحل يفترض أن يُشرف على سيرها متخصصون وخبراء، ونحن اعتدنا أن يمر العمل عبر لجان تبدي رأيها في المسائل الأثرية بشكل تشاركي مع الاستعانة بالخبرات المحلية والأجنبية».

المهندس المصري ابراهيم الرفاعي

وفي سؤال عن سبب إهمال مديرية الآثار للعديد من المواقع الأثرية في أماكن مختلفة وعدم شمولية التوثيق والمسح للكثير من الآثار، أجاب الأستاذ "نظير" قائلاً: «مع أنه يوجد في بلدنا الكثير والكثير من الآثار نحن غير متأخرين في هذا المجال أبداً، وطالما كنا من أوائل الدول التي عملت على مسألة الحفاظ وتسجيل المدن القديمة و"دمشق" القديمة دليل على ذلك، وبالتالي يوجد ضوابط في هذا المجال ضمن قانون للآثار موضوع منذ عام 1963، لكن العمل طويل ومضنٍ ويحتاج إلى مختصين، ومنذ مدة شاركت في عملية مسوحات بالبادية السورية واكتشفنا الكثير من المواقع الأثرية رغم أن المكان غير مأهول، وتكشف المسوحات إلى الآن عن مواقع هامة جداً، وهذا الكم الهائل من الآثار أملى على المديرية القيام بخطوات توثيق مستمرة وعمليات ضبط لتلال سُجلت قديماً ثم استدعت الحاجة التنظيم وضبط الوجائب بأسلوب تقني ورقمي».

وفي سياق متصل تحدث الدكتور "عمار السُمر" خبير الوثائق في مركز الوثائق التاريخية عن عمل المركز والهموم التي تعترض سير عمله قائلاً: «مركزنا تابع لمديرية الآثار، لكن هذا المركز في دول أخرى يمثل مؤسسة الأرشيف الوطني وتُسخر له كل الإمكانيات، حيث نفتقد وجود قانون للأرشيف الوطني، لذلك كنا بصدد وضع قانون إحداث هيئة عامة للأرشيف وإصدار قانون أرشيف وطني، يوجد لدينا وثائق من القرن التاسع عشر لمجموعة من المدن، ولم نحصل على أي من الوثائق التي تلت عام1960، وحدثت تطورات تتعلق بأرشفة الوثائق الكترونياً وتعريفها على بطاقات تعريفية مرتبطة بجهاز الحاسب، وقمنا في سبيل ذلك بشراء مخدم شبكة داخلية، لكن ينقصنا أمور هامة مثل المبنى المناسب والمتسع، إضافة إلى المختصين، والإهتمام بتطوير آلية العمل أكثر مما هي عليه».

نظير العوض مدير المباني والتوثيق الأثري

الدكتور "آزاد حموتو" مدرس في جامعة غرب ألمانيا طرح في الندوة اجتهاداً شخصياً قدمه سابقاً من خلال رسالة الدكتوراه، وكان الطرح هو بناء بنك معلومات أثري، شرح عنه بالقول: «بحثت في جامعتي الألمانية بالتعاون مع مهندس معلوماتية إمكانية دراسة مجموعة من البطاقات البحثية في مجال الآثار يبلغ عددها حوالي 5800 بطاقة تتعلق بموضوع معين، وخرجت بثلاثة نتائج أولها تتعلق بعلم الأديان المقارن ونتيجة تتعلق بالشرق القديم، وأخرى تتعلق بالآلهة، وهذا الموضوع مرتبط بالكلمات، وارتباط هذه الكلمات مع كلمات أخرى مثل قبر أو قبر روماني، ليُصار الأمر إلى شجرة وفروع من المعلومات الأثرية، ومن خلال هذه المعطيات قدمت رسالة الدكتوراه»، وعن تعميم هذه التجربة قال الدكتور "حموتو": «أتمنى أن تُعمم التجربة في سورية كما تعممت من قبل في الجامعة الألمانية التي أعمل بها، وهي ثمرة ابتكار شخصي ليس إلا».

الدكتور آزاد حموتو