تنتشر المواقع الأثرية في محافظة "إدلب" بحيث لا تخلو قرية من وجود صرحٍ حضاريٍ. وتعد منطقة "حارم" الواقعة في الشمال الغربي من سورية من أهم المناطق التي تحتضن تلك المواقع مثل "قلب لوزة" و"الكفير" و"باقرحا" و"بابسقا"، ونظراً لطبيعة الأرض الصخرية وجودة الصخور لاستخدامها في البناء وقرب قرى المنطقة ("سرمدا" و"رأس الحصن") من محافظة "حلب"، انتشرت "مقالع" الحجر في كل مكان فلم تراعِ حرمات المناطق الأثرية وهذا ما دعا أبناء القرى للتصدي لهذه الظاهرة المسيئة لتاريخ المنطقة.

ففي لقائه بموقع eIdleb تحدث المهندس "أحمد بطال" من أبناء قرية "رأس الحصن" عن الأضرار التي تحدثها المقالع الحجرية القريبة من الآثار قائلاً: «أينما نظرت فإنك تجد موقعاً أثرياً ولكنك تجد بجانبه مقلعاً للحجارة، وهذا يؤدي إلى تشويه المناطق الأثرية فضلاً عن تهدّم العديد منها إضافة لما تحمله من ضرر للسكان جراء الغبار ومرور الشاحنات على الطريق الرئيسية للقرية واقتطاعها لمساحات كبيرة من المناطق الرعوية وتشويه المناظر الخلابة التي يقصدها السيّاح مما أدى إلى انخفاض الحركة السياحية وتراجعها».

أما السيد "أحمد جيلو" أحد أبناء القرية فقال: «/75%/ من هذه "المقالع" غير مرخصة وهي تحرمنا من الثروات الباطنية للأرض الممثلة بحجر البناء، وأيضاً من تفعيل الحركة التجارية الناتجة عن السياحة خاصةً وأننا نطل على منطقة "لواء اسكندرون" والعديد من القرى مثل "حرّان" و"الريحانية" و"كفرعادة" ولا يفصل بيننا وبين الحدود التركية سوى مئات الأمتار والنفع لا يعود إلا على العاملين في هذه المهنة».

أحمد بطال يشير إلى الانتشار العشوائي لمقالع الحجر

هذا العمل غير المسؤول يغزو الجبل الغربي لقرية "سرمدا" وقرية "رأس الحصن" ويقلب الجبل إلى أرضٍ حجرية غير صالحة لأي من مشاريع التنمية. لكن بعض أبناء القرية أخذوا على عاتقهم استثمار هذه المناطق كمشاريع سياحية فالسيد "اسماعيل عنكور" أحد أصحاب المقالع المرخصة وبعد انتهاء عمله يجري التعديلات اللازمة لتحويل المنطقة إلى مشروع استثماري سياحي حيث قال: «بحكم قربي من موقع "قلعة سرمدا" وبعد الانتهاء من أعمال قطع الحجر بدأت العمل بمشروع "مقصف القلعة" وهو مشروع يهدف لتفعيل الحركة السياحية وجعل المنطقة مخدّمة بالطرق خاصةً وأنني قمت بشق طريق بعرض /5/أمتار يصل إلى هذه القلعة الأثرية وعلى نفقتي الخاصة بعد أن كانت المنطقة وعرة ولا يتم الوصول إليها إلا سيراً على الأقدام».

وقد تم الحصول على هذا الترخيص بموجب الكتاب رقم (3342/5ص) تاريخ 14/6/2004 الصادر عن المديرية العامة للآثار وينص الكتاب على الموافقة بمنح الترخيص لتوفر مسافة /1,5/كم بين منطقة العمل والقلعة حيث يفصل بينهما وادٍ صخري بعمق /100/متر. كما التقى الموقع بالأستاذ "محمد مصطفى" رئيس بلدية "سرمدا" حيث تحدث عن أهم الإجراءات المتخذة للوقاية من الأضرار الناجمة عن نقل الكتل الصخرية على الطرق الرئيسية قائلاً: «يتم الآن شق طريق على نفقة مستثمري الكتل الحجرية حيث يصل الطريق بين "كفردريان" حتى بداية "سرمدا" من جهة الغرب ويؤدي إلى "حلب" عبر طريق "باب الهوى" وهذا الطريق خارج المناطق السكنية وبعرض /20/متراً».

الانتشار العشوائي لمقالع الحجر على جانبي الطرق

كما التقى الموقع بالأستاذ "نيقولا كبّاد" مدير دائرة الآثار بـ"إدلب" حول مشكلة التعدي على حرمة المواقع الأثرية، حيث تحدّث قائلاً: «لا يمكن إعطاء أي ترخيص للعمل بجانب المواقع الأثرية ما لم تقم لجنة من الخبراء الأثريين بتحديد البعد عن الأماكن الأثرية والأضرار الناتجة ويختلف البعد باختلاف العمل والموقع الأثري وهذه هي مهمتنا في حماية المواقع الأثرية، كما أن العمل بدون ترخيص يعرض صاحبه للعقوبات الجزائية والمادية الكبيرة ومصادرة الآلات، وتضع المديرية اللمسات لإدراج خمسة تجمعات أثرية من محافظة "إدلب" على اللائحة العالمية للتراث وبذلك سيتم تأمين الحماية لهذه المواقع ضد أي خطر وهي:

•تجمّع "البارة" و"سرجيلا" و"بترسا" و"بعودا" و"بشلّا" و"شنشراح".

اسماعيل عنكور يبدأ العمل لتنفيذ مشروعه السياحي

•تجمّع "جرادة" و"رويحة".

•تجمّع "الفاسوق" و"بنصرا" في الجبل الوسطاني

•تجمّع "قلب لوزة" و"الكفير" في الجبل الأعلى في "حارم".

•تجمّع "باقرحا" و"دارقيتا" و"خربة الخطيب" على الحدود التركية (المنطقة المقصودة).

وستضاف هذه المواقع إلى التجمعات السورية الخمس الأخرى المدرجة على لائحة التراث العالمي».

أما عن الإجراءات المتخذة في سبيل قمع المخالفات والحد منها فقد تحدث المهندس "نصر الله شحادة" مدير فرع "إدلب" للجيولوجيا والثروة المعدنية قائلاً: «بناءً على كتاب موجّه من مديرية الآثار عن طريق المهندس "خالد الأحمد" محافظ "إدلب" نقوم بشكل دوري وسري بجولات لمخالفة أصحاب المقالع غير المرخصة كان آخرها في الجبل الغربي من "سرمدا" وذلك بطلب مؤازرة من ناحية "الدانا" فتمت مصادرة جرافتين "جنزير" وضاغط هواء وسيارة نقل الكتل بحمولتها وتنظيم ضبط بحق المستثمر المخالف».

هذا هو الصراع الذي أوجده الإنسان بين حجرين لهما من القيمة الشيء الكثير وبالنتيجة فإن البقاء للأصلح.