لعل الزائر إلى بلدة "سرمين" تستوقفه العديد من المعالم الأثرية والأوابد التي لا توجد في سواها من المناطق السورية، فمن القبور إلى القصور، ومن الأضرحة والأسواق ودور العبادة التي تعود إلى العهد "الروماني" والعهد "الأسلامي"، ولعل أهم ما يلفت الانتباه حمامات هذه البلدة، والتي على الرغم من قدمها الموغل لا تزال تعمل على عهدها الأول الذي نشأت وبنيت فيه، ومن أهم هذه الحمامات حمام "الدرج" الذي كان ولا يزال حمام البلدة الذي يشهد بكل تفاصيله على عراقتها وعلى أهميتها التاريخية والأثرية.

موقع eIdleb زار حمام "الدرج" وتجول في أقسامه، وحدثنا السيد "مروان الطقش" أحد أبناء البلدة والمهتم بالنواحي الأثرية فيها قائلاً: «في وسط البلدة من الجهة الغربية يقع حمام "الدرج"، وهو حمام أثري قديم يعود إلى العهد "الأموي"، تم إعادة ترميمه في العهد "العثماني" وآخر مرة جدد فيها عام /2002/ ولا يزال الحمام يعمل على عهده الأول، جاءت تسميته من وجود درج طويل في بداية المدخل المودي إلى هذا الحمام، يعود الحمام في ملكيته إلى الأوقاف، حيث تم تأجيره في الفترة الأخيرة إلى أحد المستثمرين من أبناء البلدة، وعاد إلى العمل بعد توقفه لمدة عشر سنوات، والواضح أيضاً أن الحمام كان يعود منذ نشأته الأولى إلى أوقاف البلدة، حيث يوجد على بابه الخارجي حجرة نقش عليها أبيات من الشعر تدل على أن الحمام عائد ملكيته إلى الجامع، كما أنها تدل على أن الحمام من الأساسيات التي كان يقف عندها الناس في الزمن الماضي».

يتبع الحمام غرفة صغيرة تحت الأرض تمتد إلى أسفل الحمام وهي عبارة عن موقد نار يعتمد على "الكرس والفحم" في عملية إيقادها والتي يجب أن تبقى نارها مستمرة في الاشتعال لكي تعمل على إبقاء الماء ساخن إضافة إلى عملية تزويد الحمام بالحرارة بشكل دائم

وعن أجزاء الحمام يقول السيد "مروان": «يتألف الحمام من ثلاثة أجزاء أساسية تعرف بحسب ترتيبها من الخارج إلى الداخل، فالقسم الأول يعرف بـ"البراني" حيث يتصل مع الباب الرئيس بدرج طويل عرف اسم الحمام به، يتألف هذا القسم من فسحة كبيرة على جوانبها مجالس حجرية مكسية بالبسط والحصر، يتوسطه دائرة حجرية يعلوها منصب من الشبك المعدني فيه ثقوب ويقع في أسفلها موقد للنار حيث يعمل على إبقائها حارة لكي توضع المناشف الرطبة عليها، بعد الانتهاء من عملية الاستحمام، ينتهي "البراني" بدهليز آخر يؤدي إلى القسم الثاني، الذي يعرف بـ"الوسطاني" نظراً لموقعه المتوسط بين "البراني" والقسم الثالث، وهو أيضاً فسحة يحيط بها "أروقة" يجلس عليها الأشخاص اللذين خرجوا من الداخل برهة ريثما تنشف أجسامهم بشكل كامل، ويصل هذا القسم بدهليز ثالث مع القسم الأخير الذي يعرف بـ"الجواني" وهو مكان الاستحمام يتألف من صحن حجري واسع يعرف بـ"القميم" تحته مصدر للنار وفيه ثقوب حجرية لكي يحافظ على حرارة هذا القسم بشكل دائم، وعلى دائر هذا الصحن غرف صغيرة تعرف بـ"الخلوات" وفيها أجران حجرية صغيرة يصل إليها الماء البارد والساخن، يستحم بداخلها الأشخاص، ويوجد بالحمام أربع "خلوات" و"صدرين"، و"الصدر" هو مكان الاستحمام الجماعي، تعلو هذا الصحن قبة أدخل فيها عدد من المرايا الزجاجية لكي تعمل على إنارة القسم الداخلي».

مروان طقش

ويضيف السيد "طقش": «يتبع الحمام غرفة صغيرة تحت الأرض تمتد إلى أسفل الحمام وهي عبارة عن موقد نار يعتمد على "الكرس والفحم" في عملية إيقادها والتي يجب أن تبقى نارها مستمرة في الاشتعال لكي تعمل على إبقاء الماء ساخن إضافة إلى عملية تزويد الحمام بالحرارة بشكل دائم».

ويقول "أسامة متعب" أحد أبناء البلدة: «من الأشياء الأثرية والمهمة والتي تعكس وجهة النظر الحضارية للبلدة وجود الحمامات فيها، فإضافة إلى الصبغة الأثرية التي يضفيها وجود هذا الحمام فإنه يلعب دور اجتماعي مهم بين أبناء البلدة، حيث أنهم جميعاً فيما سبق كانوا يرتادوا الحمام وبشكل مستمر، ولا يزال إلى الوقت الراهن عدد كبير من الأشخاص يفعلوا ذلك، ويكون الحمام أشبه بالمقهى حيث يجمع كل أبناء البلدة، كما أنه في الفترة السابقة كان واجباً على كل "عريس" من أبناء البلدة أن يتوجه إلى حمام "الدرج" في "الصباحية"، وهو اليوم الذي يلي يوم العرس لكي يستحم مع عدد من أقاربه وأصدقائه، على أنغام "العتابا والميجنا" التي تبدأ من خروجه من منزله وحتى وصوله إلى الحمام بعد أن يتجولوا في كل أنحاء البلدة، وبعد الانتهاء من الاستحمام أيضاً يصبح الحمام مسرحاً لـ"الأهازيج" والأغاني الشعبية، التي يجتمع عليها كل أبناء البلدة».

أسامة متعب

ويقول السيد "أحمد طقش" أحد أبناء بلدة "سرمين": «يُوجد في "سرمين" حمامين قديمين، ولا يزالان يعملان إلى الوقت الراهن، إحداهما حمام المالحة والثاني حمام الدرج الذي يأتي في المرتبة الأولى من حيث العمل والأهمية ويعتبر حمام الدرج عائد إلى الأوقاف وبالتالي إلى الحكومة القائمة وإلى والي البلدة والقائم عليها، والدليل على ذلك وجود مجموعة من أبيات الشعر التي نقشت على حجر على مدخل الحمام، وهي: "يا طالباً لمنال كل مرام/ من صفو عيش تلقهُ بسلام/ عرج على حمام جامعنا الذي/ تزهو برفعتها على بهرام/ تلقى بها عين الحياة فلا تعد/ تخشى من الأسقام سطو حمام/ وتظل في صفو النعيم منعماً/ مع فتية كالزهر في الأكمام/ لما تكامل في البناء أرخته فيه الشفاء وصحة الأجسام"، ولا يزال يرتاد حمام "الدرج" عدد كبير من أبناء البلدة رجالاً ونساءً، وقد خُصصت فترات محدد للرجال وأخرى للنساء مثلما كان في سابق عهده».

أحمد طقش