الحي التاريخي في مدينة "معرة النعمان" هو الممتد بين "خان أسعد باشا" ونهاية سوق الخضرة، وإلى الجنوب منهما حتى تصل إلى الشارع الممتد غربي القصر العدلي، وهو مساحة واسعة تضمّ عدداً من الدور والخانات والحمامات القديمة، التي تعود في معظمها إلى العهدين الأيوبي والعثماني، إضافة إلى مسجد "المدرسة النورية" ومسجد "يوشع بن نون"، وهذان المسجدان يعودان إلى الفترة الأيوبية أيضاً، ويبدو التاريخ متجلياً في هذين المسجدين بشكل كبير جداً، حيث يُعبر تاريخهما عن الحقبة القديمة من النازلات التي ألمت بالمدينة، فبقيت تلك المساجد صامدة، وبالنسبة لمسجد "نبي الله يوشع" فهو أحدث عهداً من المدرسة النورية لأنّ الكتابة على مدخله العلوي تشير إلى تاريخ بناء 604 هـ، بينما تتأخر المدرسة النورية عن المسجد المذكور حوالي ثلاثين عاماً، كما تشير الكتابة التي تعلو باب مسجد "نبي الله يوشع" إلى المصلح والباني الملك "الظاهري غازي بن صلاح الدين الأيوبي" وولاية "مرشد بن المهذب"، وفي مجلة الحوليات الأثرية السورية بقلم الأستاذ "عبد الرحيم المصري" دُونت تلك الكتابة وهي بخط نسخي أيوبي وتقول: «بسم الله الرحمن الرحيم

أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر العالم العادل سيد الملوك والسلاطين أبو مظفر الغازي بن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب بن أمير المؤمنين خلّد الله دولته وأعانه ... سنة أربع وستماية...بتولي العبد الفقير إلى رحمة ربه مرشد بن المهذب».

هل دفن "يوشع بن نون" بهذا المكان حقاً؟ يعتقد الناس أنه مدفون في "المعرة" وشايعهم بعض المؤرخين في ذلك الإعتقاد، ولكن يجمع البعض الآخر منهم أنّ يوشع دُفن في أرض ميراثه، قيل في "نابلس"، أويقال جنوبيها

عمارة مسجد "نبي الله يوشع" الحالية حديثة العهد وتتألف من فسحة سماوية تحيط بها غرف المسجد من حرم صلاة وغرفة مؤذن على يمين المسجد ومقام نبي الله "يوشع بن نون" على يسارالصحن السماوي، ويوجد شرح لذلك في وثيقة "نبذ من أوابد المعرة"، حيث يختصر الأستاذ "عبد الرحيم المصري" وصف المسجد قائلاً: «للمسجد ساحة صغيرة مربعة تقريباً بعداها 12*13 متراً، في شمالها غرفتان، غربية اتخذها بعض القراء مكتبةً لتعليم القرآن أو للصلاة، وشرقية يقال أن فيها قبر "يوشع"، وهي تضمّ تابوتاً خشبياً مغطّى بقماش أخضر، وشكل الغرفة مربعة تعلوها قبّة نصف كروية تستند إلى قناطر أربعة، وقد كتب على بابها الخشبي بعد البسملة البيتان الآتيان:

باب المسجد وتظهر فوقه الكتابة كاملةً

هذا المقام به النجاة لزائرٍ.. وبجاهه الأوزار عنا ترفع

من أمة نال المنى في العلا.. وغداً ينادي يوشع يا يوشع

مقام نبي الله يوشع في الداخل

وفي جنوبي الساحة حرم المسجد وقد اتسعت مساحته بعد إضافة قسم حديث إليه، وتعلو الحرم الأصلي قبّة نصف كروية، ويبدو أنّ الملك الظاهر قد جدد عمارة المسجد على إثر تخريبات، ولم يبق من بنائه الأصلي إلا قسم كبير من الواجهة الخارجية بنيت بأحجار كلسية كبيرة الحجم، وهو يختلف عن الأقسام الأخرى، وفوق برج المدخل مئذنة مثمنة الشكل أُقيمت عليه وعلى الجدار».

يضيف الأستاذ "المصري" عن مكان دفن النبي "يوشع بن نون" متسائلاً: «هل دفن "يوشع بن نون" بهذا المكان حقاً؟

الأستاذ هشام كرامي

يعتقد الناس أنه مدفون في "المعرة" وشايعهم بعض المؤرخين في ذلك الإعتقاد، ولكن يجمع البعض الآخر منهم أنّ يوشع دُفن في أرض ميراثه، قيل في "نابلس"، أويقال جنوبيها».

وعن العادات الإجتماعية التي تمارس عند قبر "نبي الله يوشع" تحدّث الأستاذ "هشام كرامي" في مدونته عن تاريخ "المعرة"، بقوله: «جرت عادة المعريين أن يجتمعوا في هذا المسجد في أوقات معينة منها يوم المولد النبوي، وليلة النصف من شعبان، وكان مخصصاً للمسجد ريع معين من جراء ذلك، وكانوا قديماً يحلفون عند المقام ويعتبرون هذا الحلف قسماً معظماً لا يمكن الحنث به إلا بعاهة أو مرض».

يحاذي مسجد "نبي الله يوشع" منزل من أقدم منازل "المعرة" وأهمها وهو منزل "آل الحراكي" المشهور الذي سكنه "حكمت باشا الحراكي"، ويوجد شماليه أهم سيباطات "المعرة" وهو سيباط "الباشا".