في منطقة محاطة بالتلال الخصبة تقع "مرتين" والتي لاتبعد أكثر من خمسة كيلو مترات عن "إدلب" غربا، والمعروف عنها أنّ أيّ فلاح يريد أن يغرس كرمه بأفضل أنواع التين في المحافظة يذهب إليها، للحصول على أفضل الأصناف من تلك الثمرة، ومنه "السلطاني، والشامي بلونيه الأخضر والأحمر والزعيبلي وبوز الضبع والخضراوي".

يذهب إلى "مرتين" لأنها أشهر من أن تعرّف في هذا المجال، وما يعزز كلامنا في هذا الجانب هو معنى تسميتها في اللغة السريانية "مار" تعني سيد و"تين" هي شجرة التين المعروفة أمّا في اللغة "العمورية" فتعني "غرب"، ومن العائلات القديمة والمشهورة في "إدلب" عائلة "مرتيني" وهي جمع مؤنث لكلمة "مرتو" بمعنى "سيدة التين" كما هو معناها في اللغات المسمارية القديمة مثل "الأكادية، والسومرية".

إذ كان فيها مصابن ومعصرة زيت قرب القرية وأربعة مغازل لعصر الزيت ودواليب لحلج القطن، ومعصرة للدبس

وفي وثيقة بحوزة المؤرخ "فايز قوصرة" ورد اسم لعدّة عائلات كان لها أرض في مرتين أو هي من نفس القرية، مثل آل "جان بولاد" و"البركات" و"الخطيب، و"شهاب"، و"زيدان"،و"العياشي".

أحد المواطنين يملىء الماء من العين

وأرض بيد "الشيخ أحمد" وأرض أخرى بيد "العياشي"، وهي تابعة "لجفتلك" وتاريخ الوثيقة يعود لـ 10 جمادى الأولى 1137 هجري.

و"مرتين" كانت قرية كبيرة في العهد الأيوبي، والمملوكي، حيث نتابع مع الوثيقة التي تقول: «إذ كان فيها مصابن ومعصرة زيت قرب القرية وأربعة مغازل لعصر الزيت ودواليب لحلج القطن، ومعصرة للدبس».

جرن الماء بجانب الدرج النازل إلى العين

و«كانت مركزا لناحية "الحفّة" التي ورد ذكرها في "معجم البلدان" للمؤرخ "ياقوت الحموي" في الصفحة343، وهي غير الحفّة المعروفة، وكانت تابعة لمملكة "حلب" في ذلك الوقت أمّا "الحفة" الواردة في كتاب معجم البلدان، فكانت تابعة لمنطقة طرابلس في تلك الأثناء، وهذا يعني أن هناك خطأ في معجم البلدان».

كما أخبرنا الباحث "فايز قوصرة".

بركة ماء داخل إيوان آل العياشي

أما في العهد العثماني فتراجعت إلى أن أصبحت "جفتلك" كما تذكر الوثيقة العثمانية «إن امرأة من نساء الكوبرلي الذين كانوا متنفذين في المنطقة، وتعني جغرافياً "حلب" و"إدلب" و"دركوش" و"جسر الشغور"، وكان لهم أوقاف في تلك الأماكن من خانات وأراضي، فورثت تلك المرأة التي زوجها من "آل الكوبرلي" عددا كبيراً من أشجار الزيتون في ناحية "مرتين»، وقد ورد ذكر "مرتين" في الوثائق التي تتحدّث عن الحروب الصليبية، كما ورد أيضاً "أرض النزائير وحربتا".

هي الآن تقع بجانب الطريق العام باتجاه "إدلب-حارم" وشمال المخبز الثاني والموقع عبارة عن مرتفع ومن خلال معاينته ميدانيا يعتقد أنه موقع "قلعة حربتا" بالذات.

ونأمل التنقيب فيها كما يقول الباحث "فايز قوصرة" لأنها موقع "لقلعة الروج" التي ذكرتها وثائق وكتب الحروب الصليبية، وبالعودة إلى "مرتين"نذكر أنه يوجد فيها عين ماء شهيرة تسمى "عين مرتين" وهذه العين كانت غزيرة منذ القدم وكانت تسقي بساتينها

وفي الثلاثينيات من القرن الماضي تمّ نقل مياهها إلى "إدلب" في العام 1924م إضافة إلى مياه نبع "عرّي" إلا أنها ضعفت في الستينيات، ويرجح أنها كانت تمر بجانب معبد وثني قديم، ويذكر تواتراً على لسان الكبار في السن بأنه كان يوجد فيها تماثيل لأسود تخرج المياه من فمها لتصبّ في بركة صغيرة دون العثور على وثيقة تثبت هذه الرواية.

أما «فسقية" إيوان النبع فقد بنيت منذ قرنين ونصف حسب الكتابة المنقوشة فوق الإيوان بالتاريخ الهجري فقد أزيل التاريخ وبقيت الكتابة والتي تقول:

«عيني حيدا مالي.........ومالي حيدا عيني» ومن الملاحظ أن هناك كلاما ناقصا مكان النقاط.

ومعنى هذا الكلام الرمزي: «أنه لايوجد عين في هذا المكان غيرها، وليس لها مثيل»، وهي بالفعل كذلك، إذ هي من أعذب المياه، فهي خالية من الكلس والشوائب، ومن المعالم الأثرية الموجودة في "مرتين" بقايا معصرة من العهد الإسلامي الوسيط في الشمال الشرقي منها، ومدفن من العهد المملوكي ومازالت شاهدته حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر أن "مرتين" أصبحت "جفتلّك" في العهد العثماني أي مكان الثوار، فقد دخلها "إبراهيم هنانو" في العام 1920بعد أن جاءت طلائع الثوار معه، ويذكر الشيخ "يوسف السعدون" في مذكراته: «كان فيها بعض الطامعين من أهل القرى المجاورة، حيث دخل بعض هؤلاء بيوت بعض سكانها المسيحين، وسلبوا الأمتعة وفروا، والناس مشغولون بمحاربة العدو الأمر الذي أوجب السخط على الثوار، وعلى هؤلاء السلاّبة، والذين كانوا بعض الثوار المنشقين وعلى رأسهم "نورس طيبة" الذي نهب دار حكومة إدلب وحرق سجلاتها الرسمية، ثمّ قام بمثل ذلك في "المعرة" فاعتقل ونقل إلى "حلب" وأعدم وقد تبين أنّ الاعتداء على المسيحيين في "إدلب" كان ورائه جواسيس فرنسا فعمّت الفوضى وسرق بعضهم واتهم الثوار أنهم وراء هذا فجاء "هنانو" إلى "خربة مرتين"، وعاقب المعتدين وردّ المسلوب».