جامع "معرة النعمان" كبيرٌ في أذهان وعيون كلّ من أرّخ عنه، أو شهد تاريخه، فهو صامد لا يزول في وجه الزلازل وألسنة الحرائق التي مرّت على المدينة، وقد اثبت أنّه أسطورة حقيقية خلال عهود دخلت طي النسيان ليبقى هو صامدا شامخا، وقد حدّثنا عن عهده الحاضر إمامه الشيخ "درويش زريق" بقوله: «حين أرادت مديرية الأوقاف تحسين وضع المسجد بشكل كلي في تسعينيات القرن الماضي أرسلت مندوباً لمسح الموقع حتى تتأكد من قابليته للترميم، فأوصى بعدم مسّه أو العبث بحجارته وتثقيبها، ثمّ بعد ذلك قامت المديرية بصيانة الحرم القبلي وتنظيف حجارته في العام 1999م إلا أنّ بقية أجزاء المسجد لم تمس على الإطلاق، مع أنه بحاجة لإعادة تأهيل شاملة».

الأستاذ "هشام كرامي" وهو مدرّس جغرافية وباحث في تاريخ المعرّة قال عن تاريخ المسجد في العهد الحديث: «في الثمانينات كان إمام المسجد الشيخ "أحمد الحصري" وهو من أوعز لإغلاق جهتي المسجد الغربية والشمالية، وفتح محال يعود ريعها لصالح مديرية الأوقاف، وبالأساس لم يعرف الناس عن الجامع سوى أنّه مكان للعبادة خصوصاً قبل فتح "المعهد النووي"، وتقوم فيه اليوم كافة الشعائر الإسلامية والإحتفالات الدينية، وبذلك يعتبر اليوم مركزا أساسيا في المنطقة ومرجعاً دينياً كبيراً يأتيه طلاب العلم من "حماه" و"حلب"»، ويضيف "كرامي": «أنا أحاول قدر استطاعتي تقديم صورة المسجد الموثّقة والواقعية وتكذيب كل ما هو مُحرّف عنه، مثل نسب أجزاء المسجد إلى مدن مجاورة وأمور أخرى شهدت أخطاء جمّة في نقلها وإسنادها إلى الكتب التاريخية، وللعلم فإنّ أول من أذن وأمَ المسجد هو "عبد الرحمن بن أبي المعالي" رحمه الله».

أنا أحاول قدر استطاعتي تقديم صورة المسجد الموثّقة والواقعية وتكذيب كل ما هو مُحرّف عنه، مثل نسب أجزاء المسجد إلى مدن مجاورة وأمور أخرى شهدت أخطاء جمّة في نقلها وإسنادها إلى الكتب التاريخية، وللعلم فإنّ أول من أذن وأمَ المسجد هو "عبد الرحمن بن أبي المعالي" رحمه الله

توجد في جدار المسجد من الناحية الشرقية ما يدل على كون أصله معبداً وثنياً ويتمثّل ذلك في وجود رأسي ثور بارزين وقرص شمس وأحرف يونانية، وفي العهد البيزنطي تحول الجامع الكبير إلى "كاتدرائية"، وحسب ما هو مذكور في وثيقة "نبذ من أوابد المعرة" للباحث "عبد الرحيم المصري" فإنّ سقف هذه "الكاتدرائية " البيزنطية كان يقوم على أعمدة أسطوانية ذات تيجان كورانشية، ثمّ طرأ على شكل البناء تغيير كبير عبر العصور، ويضيف"المصري" في وثيقته المذكورة: «شهد المسجد الإسلام سنة خمسة عشر هجرية حين دخل "المعرة" القائد الإسلامي "أبو عبيدة الجراح" وصالح أهلها على أن تكون كنيستهم جامعاً، وتعرّض للإحراق مرتين الأولى في عهد البيزنطيين والأخرى خلال الحملات الصليبية، أما بناء الجامع الحالي فقد تشكّل خلال عدّة عصور وفترات وفيه أنماط عديدة من البناء لا نمط واحد، حيث بُني في البداية على أكمة قائمة وسط المدينة وكان المرء يرتقي إليه بأية جهة أتاه بثلاث عشرة درجة، لكنّ توالي الخراب بسبب الحروب والغارات والزلازل جعل المباني ركاماًُ وكان الناس يكتفون بالبناء على أنقاض القديم، فجاء البناء الحديث للمسجد دون مستوى سطح الأرض، ولهذا السبب صار الجامع منخفضاً ينزل إليه بدرجات عددها ستة عشر درجة، وفي الجامع الحالي موضعان للصلاة أحدهما شمالي والآخر قبلي وساحة فيها ميضأة ومزولة ومنارة».

إمام المسجد الشيخ درويش زريق

يرجع المؤرخون مظاهر معظم التعديلات الإسلامية التي طرأت على المسجد إلى العهد المملوكي، مع وجود ما تبقى من آثار بيزنطية وعلامات يهودية في أركان المسجد، وعن ذلك يضيف الأستاذ "المصري" قائلاً: «سقف الحرم القبلي أُقيم في العهد المملوكي، ففي الجهة المذكورة من حائط المسجد كتابة عربية نافرة تُظهر اسم السلطان المملوكي " الأشرف الناصر"، أما المئذنة وهي منارة المسجد التي تضاهي في بهاء صنعتها منارة الجامع الكبير في "حلب"، فيرجع البعض بناءها إلى أواخر الفترة المملوكية والبعض الآخر إلى العهد الأيوبي، والمرجّح أن باني المنارة هو نفسه الذي بنى المدرسة الشافعية "النورية" في "المعرة" سنة 575هـ وهو "قاهر بن علي بن قانت"، لكنّ اصلاحات وترميمات عديدة طرأت عليها في القرون التالية كما تدلّ الكتابات التي سُطرت على حجارتها، فالمنارة والجامع اليوم عربيان اسلاميان من أساسهما إلى رأسهما ما عدا بعض العناصر الأثرية التي استخدمت مرة ثانية في بنائهما».

حرم المسجد القبلي الرئيسي
الميضأة والمزولة في صحن المسجد