لعل أهم ما يلفت نظر القادم إلى قرية "سرجة" غابة من أشجار السنديان العملاقة التي تنتصب على المدخل الغربي من القرية، وهي عبارة عن مجموعة من الأشجار التي تُعانق بعلوها الشامخ عنان السماء، تحكي للناظر إليها حكاية بدأت في زمن غابر وما زالت قائمة إلى الآن، يخترقها الطريق المؤدي إلى القرية فيقسمها إلى قسمين، وتستظل في ظلها الوارف مجموعة من القبور التي احتضنت أجساد أُناس مضى على رقودهم أزمنة وأعواما، وبقيت خلفهم هذه الأشجار متحدية الزمن شامخة إلى النهاية.

موقع eIdleb زار القرية وكان لنا استراحة في ظل هذه الأشجار التي حفظت ماضي وحاضر القرية، والتقينا الحاج "جمعة حاج موسى" أحد أبناء القرية المعمرين والذي حدثنا عن هذه الغابة قائلاً: «منذ أن وعينا على الوجود ونحن نذكر هذه الأشجار على عهدها هذا، لم تنقص ولم تزد، تنمو في وسط القرية من الجهة الغربية في وادي من أخصب بقاع القرية، وتجري عيون القرية الرومانية من وسط هذه الأشجار، وقد يزيد عمرها على مئات السنين، ولا أحد يستطيع معرفة الزمن الذي تعود إليه، ولكن أغلب الظن أنه نبتت مع وجود الماء والعيون الرومانية في القرية، ومازالت إلى الوقت الراهن، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام من الغرب إلى الشرق، حيث يقع القسم الأول غربي طريق القرية الرئيسي، والثاني إلى الشرق منه، والثالث هو عبارة عن قطعة صغيرة تقع إلى الأسفل من القسم الثاني، وهي من أكبر الأشجار الموجودة في المنطقة عمراً وحجماً، ويزيد ارتفاع معظمها على العشرين متراً، تُظلل هذه الأشجار مقبرة القرية، التي يعود عمرها إلى آلاف السنين، ولا تزال حتى الآن يُكشف فيها على قبور موغلة بالقدم، تدل على قدم المقبرة وبالتالي قدم الأشجار الموجودة فيها، ومن أهم أشجارها الشجرة التي تنمو في الوسط والتي تُعرف بـ"الميسة"، فهي من أكبر الأشجار حجماً وأعلاها ارتفاعاً وأضخمها جذعاً».

هذه الغابة ثروة بيئية حقيقية في القرية، ويجب الاعتناء بها بشكل جيد، فيوجد قسم كبير منها تهرأ وتلف نظراً لعمرها الطويل وبدأت أغصانها المرتفعة بالتساقط والموت، فيجب العمل على تقليم هذه الأغصان وانتزاعها من بينها لئلا تؤدي إلى انتشار الأمراض في بقية الأشجار الأخرى، ويجب العمل على تسوير الأرض التي تنمو فيها هذه الأشجار، لكي تُحفظ من الاعتداء البشري الذي بدأ يطولها في الفترات الأخيرة

كما التقينا الحاج "عطا النايف" والذي يقول: «أغلب الظن أن هذه الأشجار نمت بمفردها لأنها من الأشجار الحراجية، ولكن الأمر الذي جعلها تصل إلى هذا الحد من النمو وتعمر إلى هذا العمر أنه يستظل في ظلها قبور لمجموعة من الأولياء، التي تعتبر من أشهر المقامات في المنطقة، كـمقام "الشيخ عبس"، الأمر الذي أعطى لهذه الأشجار مناعة من الاعتداء البشري، حيث ساد في القرية وإلى فترة قريبة أن هذه المنطقة حكراً على الأولياء، ولا يجوز أن يقترب منها ولا أن ينال من أشجارها نائل بالقطع ولا التقليم، وما جعلها تنمو بشكل كثيف وتصل إلى هذا الحجم من الضخامة والنمو، وهناك من روى من رجال القرية القدامى أنها زرعت على أيدي أشخاص في الماضي، لأنها منظمة بعض الشيء، والمسافات التي تفصل بينها تكاد تكون متساوية، ولكن حقيقة وجود هذه الأشجار لا أحد يعرف عنها أي شيء فهي تُعتبر من أقدم معالم القرية».

ويقول "محمد زريق" أحد شباب القرية: «أشجار السنديان التي تعرف بالقرية بـ"شجر الولي" نسبة إلى وجود مقام الولي "الشيخ عبس" فيها، قديمة قدم القرية نفسها، وهي على معرفة بكل أبناء القرية، الذين مضوا والذين سيأتون، وإضافة إلى أهميتها التاريخية وكونها معلم مهم من معالم القرية فإنها تُضفي على الوادي الذي تنمو فيه منظراً جمالياً لا يكاد يخفى على أحد، وهي نُقطت جذب للسياح الذين يقصدون المنطقة باسم السياحة الدينية، وأيضاً للتمتع بجمال المنظر، والاستراحة بظل هذه الأشجار التي ليس لها مثيل في المنطقة، ولولا وجود المقبرة تحت قسم كبير من هذه الأدغال لكانت حديقة طبيعة لا توازيها أي حديقة أخرى، لأنه ينمو تحتها العديد من الأزهار والأعشاب المتنوعة، التي تُعطي الوادي سحراً وجمالاً وخاصةً في فصل الربيع».

ويضيف "ثائر حج درويش" أحد أبناء القرية: «هذه الغابة ثروة بيئية حقيقية في القرية، ويجب الاعتناء بها بشكل جيد، فيوجد قسم كبير منها تهرأ وتلف نظراً لعمرها الطويل وبدأت أغصانها المرتفعة بالتساقط والموت، فيجب العمل على تقليم هذه الأغصان وانتزاعها من بينها لئلا تؤدي إلى انتشار الأمراض في بقية الأشجار الأخرى، ويجب العمل على تسوير الأرض التي تنمو فيها هذه الأشجار، لكي تُحفظ من الاعتداء البشري الذي بدأ يطولها في الفترات الأخيرة».

ثائر ورائد