إلى جانب البندقية التي لعبت دورها الحقيقي في مسيرة ثورة "الشمال" على الرغم من قلة الإمكانيات، فقد كان لشخصية الزعيم "إبراهيم هنانو" الدور الكبير في دبلوماسية هذه الثورة، إذ كانت له رؤية خاصة في ذلك وهذا ما تبينه الروايات المتواترة والوثائق.

المؤرخ "فايز قوصرة" تحدث لموقع eIdleb عن العلاقة التي أقامتها ثورة "هنانو" مع "تركيا" بالقول: «استطاعت ثورة "هنانو" أن تشد إليها الريف كما شدت الكثير من المتطوعين الذين كانوا في الجيش العثماني سابقاً كالملازم "إبراهيم الشغوري" والقائد "هاشم بك جمال" قائد الدرك في قضاء "إدلب"، والكثير من الذين غرر بهم وجندوا لدى الفرنسيين كـ "غالب العياشي"، ومن الأمور التي نستخلصها من تحليل وقائع المعارك التي خاضها مجاهدو ثورة الشمال هي ابتعاد مواقع المعارك عن المدن حتى لا تكون عرضة للانتقام وفي ذلك فكر سياسي حكيم، وبالحديث عن اتصالات "هنانو" مع "تركيا" فإن السبب الرئيسي في ذلك يرجع لما لتركيا من وزن وتأثير على الواقع في الشمال السوري وتحكم الجوار، وكانت رؤية "هنانو" الذي اعتبر نفسه امتداداً للحكومة العربية "بدمشق" أن تستقل "سورية" مع قيام علاقات جيدة مع "تركيا" بغض النظر عن نوعية الحكم فيها، المهم عنده أن تقف "تركيا" إلى جانب الثورة، فقرر "هنانو" السفر على رأس وفد من الثوار إلى "تركيا" في 17 آب عام 1920م وقابل في "مرعش" "صلاح الدين عادل بك" قائد الفيلق الثاني التركي، ووقعت اتفاقية بين الطرفين في 7 أيلول 1920م واتفقوا على التعامل مع "هنانو" كممثل عن الحكومة العربية السورية، ولكن بعد حين يتبدل الموقف السياسي لمصلحة "فرنسا"، إذ يتم التوصل إلى اتفاقية هدنة بين "فرنسا وتركيا" تتم في 11/3/1921م، وكما ذكر "إبراهيم الشغوري" في مذكراته أن نجدات فرنسية تزيد على خمسين ألف جندي جلبت من "كيليكيا" إلى "سورية" في أعقاب الاتفاقية، فرفعت أعداد الجيش الفرنسي الذي يقاتل الثوار السوريين إلى خمسة وسبعين ألف جندي، وبازدياد العداء بين "تركيا وفرنسا"، طرأ تحول في موقف "تركيا" من الثوار السوريين اللاجئين إليها، فبعد أن مانعت في تأييد هؤلاء للثورة السورية الكبرى عند قيامها، سمحت لهم بفعل هذه التطورات في اجتياز الحدود ومهاجمة الفرنسيين، لقد أكد "هنانو" أنه ظل يرغب بالتعاون مع "تركيا" لكنه وصل إلى القول إن الفرنسيين قد قامروا علينا وعقدوا معهم الصلح في معاهدة أنقرة دون إثارة أي مطلب من مطالبنا في الحرية والاستقلال».

النتائج المهمة التي كانت على هذا الصعيد أن "هنانو" عندما حوكم وخرج بالبراءة من المحكمة تابع نضاله السياسي والعسكري أيضا وقد يرى بعضهم أنه لم يكن متابعا للنضال العسكري أنا أعتقد بأنه تابع النضال العسكري كمستشار عسكري أو كمرجعية عسكرية، لأنه في ثورة "حمص" التي قام بها "عبد الفتاح النشواتي" كان "هنانو" قبل أن يعلنوا ثورتهم في اجتماع في "حمص" وهم الذين أوصلوه إلى برية "حلب" عن طريق "سلمية" وعاد إلى "حلب"، أيضا في نضاله السياسي كان هنانو صاحب شخصية وصاحب قرار في الكتلة الوطنية وخارج الكتلة الوطنية، ففي انتخابات عام 1932 طوق الجيش الفرنسي بدباباته منزل الزعيم هنانو في "حلب" وأجبره على عدم الترشح وخوض الانتخابات، ولكن شعب حلب كله خرج ليفك هذا الحصار وعندما رأوا أنهم لا يستطيعون أن يحاصره جاؤوا وعرضوا عليه 11 ألف ليرة ذهبية مقابل أن يخرج من "حلب" إلى "القاهرة" بداعي المرض وبحجة الاستطباب حتى تنتهي الانتخابات، في العلاقات السياسية الرائعة كان هذا الرجل علميا ووطنيا وعروبيا فكان يخاطب القناصل بالقول "حضرات القناصل المحترمين"، وعندما يخاطب أبناء وطنه يقول "من العرب إلى العرب"

الأستاذ "محمد خالد العمر" رئيس اللجنة الوطنية لثورة الشمال تحدث عن مراسلات "هنانو" مع "بريطانيا" ومع الثورة البلشفية في "روسيا" بالقول: «عندما توفي الزعيم "هنانو" أقامت العديد من المدن والبلدات العربية عليه صلاة الغائب، فتساءلت في نفسي عن كيفية وصول صيت هذا الرجل الذي كان يقود ثورة في الشمال السوري إلى كل تلك الأصقاع، ويمكن القول بأنه بنى ثورة في الدولة وبنى دولة في الثورة، فقد أقام اتفاقيات ومعاهدات مع الحكومة التركية ومع البريطانيين ومع الثورة البلشفية الشيوعية في "روسيا"، فكان "لينين" يراسل الزعيم "هنانو" وأوفد إليه ضباطا مبعوثين ليدربوا ثواره في الشمال السوري، ويذكر السيد "يوسف إبراهيم يزبك" في كتابه "أول نوار" الذي يؤرخ لتاريخ الحزب الشيوعي: (أخبرني الزعيم إبراهيم هنانو أن "لينين" أوفد إليه ضابطاً من "القفقاس" عرف هنانو قبل بضع سنوات وعمل معه في خدمة الحكومة العثمانية في ولاية "حلب"، وكان الضابط يحمل رسالة مكتوبة بالتركية يعرض فيها مساعدة الثورة السورية التي حمل سلاحها "إبراهيم هنانو" وإخوانه فلاحو جبل "سمعان" على الاحتلال الفرنسي بعد نكبة "ميسلون"، وسألت الزعيم "هنانو" عن مصير الرسالة، فأجاب أبو طارق رحمه الله: إنها عدة رسائل وليست واحدة، تبودلت بيني وبين بطل البولشفيك لأجل إشعال نيران الثورات على الفرنسيين والإنجليز في تركية وسورية والعراق وفلسطين ومصر، وكان لينين مخلصاً فيما عرضه علي ولكنه أراد أن تكون الثورات من الشعوب الإسلامية)، ومما يقال هنا بأن القائد الفرنسي "غورو" قال: لقد أجبرتنا ثورة الشمال على ترك "كيليكيا" تحت ضغوط بريطانية وتركية وثورة الشمال الأساس، وهي الخزان التمويني لفرنسا».

الزعيم ابراهيم هنانو

ويضيف الأستاذ "محمد خالد العمر": «النتائج المهمة التي كانت على هذا الصعيد أن "هنانو" عندما حوكم وخرج بالبراءة من المحكمة تابع نضاله السياسي والعسكري أيضا وقد يرى بعضهم أنه لم يكن متابعا للنضال العسكري أنا أعتقد بأنه تابع النضال العسكري كمستشار عسكري أو كمرجعية عسكرية، لأنه في ثورة "حمص" التي قام بها "عبد الفتاح النشواتي" كان "هنانو" قبل أن يعلنوا ثورتهم في اجتماع في "حمص" وهم الذين أوصلوه إلى برية "حلب" عن طريق "سلمية" وعاد إلى "حلب"، أيضا في نضاله السياسي كان هنانو صاحب شخصية وصاحب قرار في الكتلة الوطنية وخارج الكتلة الوطنية، ففي انتخابات عام 1932 طوق الجيش الفرنسي بدباباته منزل الزعيم هنانو في "حلب" وأجبره على عدم الترشح وخوض الانتخابات، ولكن شعب حلب كله خرج ليفك هذا الحصار وعندما رأوا أنهم لا يستطيعون أن يحاصره جاؤوا وعرضوا عليه 11 ألف ليرة ذهبية مقابل أن يخرج من "حلب" إلى "القاهرة" بداعي المرض وبحجة الاستطباب حتى تنتهي الانتخابات، في العلاقات السياسية الرائعة كان هذا الرجل علميا ووطنيا وعروبيا فكان يخاطب القناصل بالقول "حضرات القناصل المحترمين"، وعندما يخاطب أبناء وطنه يقول "من العرب إلى العرب"».

المؤرخ فايز قوصرة
الأستاذ محمد خالد العمر