يعتبر "المنسف" الطبق الأكثر شهرة وشعبية بين جميع مأكولات المطبخ الشرقي الغني، وقد كانت هذه الوجبة ومازالت رمزاً لإكرام الضيف، ولا يتم فرح أو أي مناسبة اجتماعية أخرى من دون حضور "المنسف"، ورغم تلك المكانة التي يحظى بها فقد تعرض حضور هذا الطبق العربي الأصيل على الموائد لفترة من الخفوت مما هدد بانقراضه عن خارطة المأكولات العربية.

ولكن ومنذ سنوات قليلة تشهد مختلف مناطق محافظة "إدلب" إقبالاً كبيراً على هذه الوجبة في كل المناسبات ولا سيما ولائم الأعراس، وذلك في إشارة واضحة لتنامي شعبية "المنسف" بين الأجيال الجديدة بشكل ملحوظ.

جرت العادة أن يتم الأكل باليد وليس بالملعقة، حيث يتم تناول الأرز والفريكة باليد اليمنى وتوضع اليد اليسرى خلف الظهر، وعادة ما يزين المنسف برأس الذبيحة كدلالة على كرم المضيف ويقدم لأكبر الضيوف مقاماً، ويحبذ أن يكون حجم المنسف كبيراً بحيث يجمع حوله أكبر عدد ممكن من الأشخاص

وللتعرف أكثر على طبق "المنسف" وأدابه وطرق تحضيره التقى موقع eIdleb الشيف "أحمد الأحمد" صاحب الخبرة الواسعة في مأكولات المطبخ الشرقي، ومن الطبّاخين المشهورين بتحضير "المنسف" حيث يقول: «"المنسف" هو وجبة شرقية غنية بالدسم تناسب جميع الأذواق، العمود الفقري له هو "البرغل والفريكة والأرز واللحم"، وبالنسبة لما يقدم مع "المنسف" فيتنوع بين "اللبن الرائب إلى اللبن بالعيران إلى السلطة إلى الشاكرية والفاصولياء"، وهي تتنوع بين محافظة وأخرى وبين قرية وأخرى، وقديماً كان "المنسف" يطلق على "الذبيحة" فقط حيث كان يضم ذبيحة كاملة، وأنا قمت بإجراء ما يمكن تسميته بتحديث "للمنسف" وتقريبه للواقع، فقد يكون منسف دجاج أو منسف سمك مشوي أو مقلي أو منسف اللحمة المفرومة وكلها أشكال للمنسف لم تكن شائعة سابقاً، وبسبب تغير ثقافة الأطعمة وتماشيا مع الوضع المادي للأهالي فقد طرأت عليه عدة تغييرات، ففي الوقت الحاضر أضيفت "المكسرات" إلى "المنسف" وازدادت نوعية البهارات المستخدمة في تحضيره، وللمنسف أهمية اجتماعية خاصة تربطنا مع تراثنا الغذائي والثقافي كونه ظاهرة عربية قديمة على الطاولة العربية، وظل هذا الطبق بمثابة رسالة تعلمت الأجيال أهمية إكرام الضيف».

أحد أشكال طبق المنسف

ولكن ماذا تغير وماذا بقي من تقاليد "المنسف" في مجتمعنا الشرقي يجيب "الشيف أحمد الأحمد": «يمكن القول بأن أهم ما تغير هي التكلفة في تحضير هذه الوجبة، فالأجواء الاجتماعية التي تعودنا عليها حول "المنسف" مازالت موجودة، وحتى اليوم يدعى لوليمة "المنسف" الضيوف والأقارب والأصحاب والأصدقاء بغية التجمع حول المائدة، فترى مشهد الأيادي الكثيرة المشتركة في تناول المنسف وهو مشهد يميز هذه الوجبة العربية الشهية، فيبقى مناسبة أساسية لجمع الأقارب والأصدقاء والأهل».

وعن خصوصية تحضير هذا الطبق يوضح "الأحمد": «إن تحضير "المنسف" يتطلب مهارة خاصة تتجلى في طهي اللحم والبرغل والأرز والفريكة، فمدة تحضيره تبلغ حوالي 5- 6 ساعات عمل لكي يكون جاهز، يبدأ بطهي اللحم لمدة ثلاث ساعات ثم تحضير الرز والبرغل والفريكة على البخار لمدة ساعتين، ويزين بالمكسرات والقلوبات المتنوعة، ومن الأفضل عند إعداد "سفرة" المنسف أن يتم وضع الطعام في غرفة مغايرة لغرفة جلوس الضيوف، وذلك لتلافي رؤية الضيف لأية أشياء سلبية أو أخطاء تحدث أثناء مد "السفرة" سواء انسكاب كأس أو تعثر أو غير ذلك من السلبيات التي تؤثر على منظر "السفرة" وبعد تجهيز المائدة يتم دعوة الضيف لتناول الطعام بحيث يكون كل شيء جاهز عند دخوله إلى قاعة الطعام».

الشيف أحمد الأحمد

وعن بعض العادات التي كانت سائدة عند تناول المنسف يقول الحاج "خالد الزهران": «جرت العادة أن يتم الأكل باليد وليس بالملعقة، حيث يتم تناول الأرز والفريكة باليد اليمنى وتوضع اليد اليسرى خلف الظهر، وعادة ما يزين المنسف برأس الذبيحة كدلالة على كرم المضيف ويقدم لأكبر الضيوف مقاماً، ويحبذ أن يكون حجم المنسف كبيراً بحيث يجمع حوله أكبر عدد ممكن من الأشخاص».

ويقول الحاج "شحادة عرنوس": «يمكن القول بأن ارتفاع الأسعار قد أثر على شعبية "المنسف" لكونه يتطلب مواد عديدة في تحضيره من رز وفريكة ولحم وغيره وكلها أسعارها مرتفعة، الأمر الذي قلل من إقبال الأهالي على تحضير هذه الوجبة في الأيام العادية واقتصرت على المناسبات وعند قدوم الضيوف، ويبقى المنسف جزء أساسي من تراثنا العربي وكان في الماضي دلالة على الكرم، حيث كانت توضع الذبيحة بكاملها على "المنسف" أمام الضيف في دلالة على التكريم، ولكون "المنسف" أكبر دليل على إكرام الضيف فحتى الفقير غير القادر عليه عندما يضيفه شخص تراه يصر على تحضير المنسف لضيفه، وكل ما كان حجم المنسف كبير يكون الضيف أعز، وأقول بأن المنسف كعادة وجزء من تراثنا لن ينتهي وسوف يبقى ولكن يخشى عليه من ارتفاع الأسعار».

الحاج شحادة عرنوس