يقف العالم اليوم على أعتاب ثورة علمية هائلة لا تقل عن الثورة الوراثية التي نقلته إلى عصر الاستنساخ، والثورة الصناعية الأولى التي نقلته إلى عصر الآلات وعصر الصناعات أو الثورة التكنولوجية التي نقلته إلى عصر الفضاء، وهي الثورة الصناعية الثانية أو كما أصبحت تعرف التكنولوجيا المتناهية بالصغر، ويحتل هذا العلم الذي يشهد حالياً سباقاً وتنافساً عالمياً هائلاً وتطوراً متزايداً في عصرنا الراهن صدارة الاهتمامات العلمية والبحثية في مراكز البحث والجامعات في كافة أنحاء العالم، وسيؤثر بصورة مباشرة على التنمية الشاملة لكل المجتمعات وسيغير وجهة العالم في كافة مجالات الحياة البشرية.

الدكتور والباحث "ابراهيم الغريبي" الحاصل على دكتوراه في التقانة النانوية وتكنولوجيا الليزرات النانوية، ومدرس في كلية العلوم، جامعة دمشق، أجاب لموقع eIdleb عن سبب اختياره لهذا التخصص بالقول: « جميعنا يرى أشياء وقد لا يعرف كيف تكونت، والسؤال هو سبب النجاح، "فالعلم يدين لمن يصوغون الأسئلة أكثر مما يدين لمن يقدمون الإجابات"، دراستي للفيزياء ونجاحي بتفوق في كل سنة دراسية كان دافعاً لأختص في فرع من أعقد الفروع والاختصاصات، فهذه التكنولوجيا كانت حكراً على بعض الدول المتقدمة ولها استخدامات مفيدة جداً في الحياة العملية في شتى المجالات، وعلى هذا الشيء أوفدت إلى فرنسا وحصلت على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى».

جميعنا يرى أشياء وقد لا يعرف كيف تكونت، والسؤال هو سبب النجاح، "فالعلم يدين لمن يصوغون الأسئلة أكثر مما يدين لمن يقدمون الإجابات"، دراستي للفيزياء ونجاحي بتفوق في كل سنة دراسية كان دافعاً لأختص في فرع من أعقد الفروع والاختصاصات، فهذه التكنولوجيا كانت حكراً على بعض الدول المتقدمة ولها استخدامات مفيدة جداً في الحياة العملية في شتى المجالات، وعلى هذا الشيء أوفدت إلى فرنسا وحصلت على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى

وعن تاريخ التقانة النانوية يجيب الدكتور "الغريبي" بالقول: «إن تقنية النانو لا يمكن ربطها بعصر أو بحقبة تاريخية خاصة، بل لها جذر عميق على امتداد العصور والأجيال، ففي القرن الرابع للميلاد تم تصنيع أول كاس ملكي للملك الروماني لايكورجوس مطرز بمادتي الذهب والفضة وتم الكشف عنه مؤخراً في أحد المتاحف البريطانية فوجد بأنه كان مصنوعا من جسيمات نانوية من الذهب والفضة، ويعتبر هذا الكأس العجيب من أحد أشهر أنواع الكؤوس المصنوعة من الزجاج والتي تتمتع بقابلية لتغير لونها عند تعريضها للضوء، حيث يتغير لون الكأس من الأخضر إلى الأحمر الغامق عندما يتعرض إلى مصدر ضوئي داخلي أو خارجي حيث يختلف لونه باختلاف طريقة تعرضه للضوء إما انعكاسا أو نفوذا».

اثناء الدراسة في فرنسا

وأما عمن استخدمها من قبل فيقول: «تقنية التصوير الفوتوغرافي أيضاً قد اعتمدت منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على إنتاج أفلام وأغشية مصنوعة من جسيمات فضة نانوية حساسة للضوء، وفي العصور الوسطى استخدم صانعوا الزجاج حبيبات الذهب النانوية مختلفة الأقطار لتلوين الزجاج وإعطائه شكله الجميل، وإن أول الشعوب التي استخدمت هذه التقنية دون أن تدرك ماهيتها هم العرب حيث كانت السيوف الدمشقية المعروفة بالمتانة تعتمد في تركيبها على مواد نانوية تعطيها قساوة وقوة مذهلة غير عادية للقطع، حيث تم مؤخراً الكشف عن هذا السر العجيب للسيف الدمشقي من قبل إحدى البعثات الألمانية من جامعة "دريسدن" للتكنولوجيا، برئاسة البروفيسور "بيتر بوفلر"، فقد تبين أثناء تحليل لقطعة مأخوذة من سيف دمشقي (عثر عليه في متحف برن بسويسرا صنع في القرن السادس عشر)، وجود لآثار أنابيب متناهية الصغر من الكربون، والتي تعتبر من أقوى المواد المعروفة بمرونتها ومقاومتها المرتفعة للشد، واليوم صارت تلك الأنابيب متناهية الصغر المصنوعة من الكربون قمة تكنولوجيا النانو أو علم المواد متناهية الصغر، والآن، أما آن لهذه الجذور العميقة المتشبثة بالأرض أن تنبثق من جديد للسير في ركب هذه الحضارة وللنهل من علوم هذه التقانة؟!».

ويجيب الدكتور "الغريبي" عن فوائدها في مجالات الحياة من خلال عمله كمدرس وباحث في هذا العلم الجديد: «تعد التقانة النانوية بثورة في علم الغذاء، سواء على مستوى الزراعة وإنتاج الأغذية أو على مستوى حفظها والمحافظة على قيمتها الغذائية حيث تقوم عدة شركات بتطوير مواد نانوية تؤثر على طعم وسلامة الأغذية وعلى الفوائد الصحية التي تؤمنها.

شكل لحبيبات النانو

وفي الطاقة والبيئة تستخدم التقانة النانوية لمعالجة التربة والمياه الجوفية الملوثة والمياه المالحة وتوفير مصادر آمنة لمياه الشرب عن طريق معالجتها وتحليتها بواسطة مرشحات نانوية، ويمكن أيضاً استبدال مصادر الطاقة التقليدية مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم بمصادر الطاقة النظيفة والبديلة وغير الضارة بالبيئة وتحسين كفاءة الاحتراق لوقود السيارات وتقليل معدل استهلاكه وتخفيض النفايات الصناعية الناتجة عنها، وذلك من خلال إضافة بعض المحفزات النانوية إليها».

أما عن فوائدها في المجالات الطبية فيقول: «يطور الباحثون في مجال الطب جزيئات نانوية قادرة على حمل الدواء مباشرة إلى الخلية المصابة، إن هذه الطريقة يمكن أن تخفض الضرر الناتج عن المعالجة بشكل كبير وخاصة في حالات العلاج الكيماوي للأورام حيث سيذهب الدواء فقط إلى الخلايا والأنسجة المصابة من جسم المريض، واستخدام التقانة النانوية لعلاج السرطان يفتح أمامنا الكثير من الإمكانيات والتي تتضمن إمكانية تدمير الأورام السرطانية والتخلص منها مع أقل قدر من الضرر للأعضاء والأنسجة السليمة».

الدكتور ابراهيم الغريبي في جامعة دمشق

ويرى الدكتور "الغريبي" من خلال خبرته عن مستقبل التقانة النانوية وفن التصغير في صناعة الأشياء: «لا شك أن "تقنية النانو" ستدفع بالبشرية نحو عالم مثير ومذهل، ومن أبرز التوقّعات المستقبلية لهذه التقنية هي إحداث سلسلة من الثورات الصناعية والاكتشافات العلمية خلال العقدين القادمين وما سيرافقها من تغير هائل في الكثير من ملامح الحياة في مجالات شتى، ولذا بدأ السباق المحموم في أبحاث وتطبيقات "النانو" على المستوى العالمي، ويُتوقّع أن تكون البحوث والتقنيات "النانوية" أكبر المشروعات العلمية في هذا القرن، حيث يعتقد العلماء أن تقنية النانو ستحل مجموعة من التحديات التي تواجه البشرية كالأمراض وتوفير المياه النظيفة للجميع فضلا عن الزراعة والصناعة ومجالات الطاقة البديلة والبيئة وتكنولوجيا الاتصالات الضوئية ونقل المعلومات».

وعن حقيقة هذه التقانة قال: «يعتقد البعض أن تقانة النانو وخلق أشياء لا ترى بالعين المجردة مجرد خيال علمي وضرب من المستحيل لا أساس له من الصحة كحرب المجرات والمخلوقات المريخية والأفلام السينمائية التي تتحدث عن المركبات المصغرة التي تُحقن في الدم (كفيلم الرحلة الفضائية الممتعة) أو فيلم (كان يا ما كان الحياة) ولكن التقدم العلمي والتقصي والابتكار والاختراعات في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية في وقتنا الراهن، فتح الباب أمام تقانة جديدة يمكن من خلالها صنع أي شيء نتخيله وذلك عن طريق صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها بعضا بشكل لا نتخيله وبأقل كلفة ممكنة، وهي بذلك تفتح الأبواب على مصراعيها لإحداث ثورات علمية وصناعية في جميع المجالات».

الجدير بالذكر أن الدكتور "إبراهيم الغريبي" من مواليد /1975/ "كفرعويد"، التي تقع جنوب مدينة إدلب ب/65/ كلم، وحاصل على دكتوراه في التقانة النانوية من "فرنسا"، خريج قسم الفيزياء بجامعة "حلب"، ومدرس في كلية العلوم بجامعة دمشق، وأحد المكلفين بإدارة مشروع بحث مع "مصر" بخصوص تحضير وتوصيف أغشية رقيقة نانومترية بتكنولوجيا محلية لاستخدامها في تطبيقات الخلايا الشمسية لمدة ثلاث سنوات /2011- 2013/.