تعتبر محافظة "إدلب" من أكثر المحافظات السورية شهرة بالزراعة وتربية الحيوان، نظراً لطبيعتها ومناخها المناسبين، وهناك العديد من الحيوانات التي يقوم بتربيتها مزارعو "إدلب"، كل حسب هوايته واهتماماته، وللخيول العربية نصيب جيد في عدد من حظائر هؤلاء المزارعين، حيث يوجد عدد من مزارع الخيول العربية في المحافظة، نظراً لمكانة هذه الخيول التي احتلتها عالمياً وللعديد من الصفات والخصائص التي تتميز بها عن غيرها من الحيوانات الأخرى.

وللتعرف أكثر عن الخيول العربية موقع eIdleb زار السيد "حسن النيربي" في مزرعة الخيول الخاصة به والتقاه ليحدثنا عن تجربته مع الخيول والذي يقول: «يعتبر الحصان العربي من أجمل الخيول في العالم، وأجمل ما فيه آذانه الصغيرة وعيونه الواسعة، ويتمتع الحصان العربي بالعديد من الصفات التي تميزه من غيره من الخيول والحيوانات الأخرى، فإخلاصه لصاحبه وعزة نفسه، وتحمله للسفر وصبره على جو الحروب والمعارك، جعل الإنسان العربي يتعلق به أكثر من أي شيء آخر، بل إن كثيراً من العرب فضل جواده على أبنائه وأفراد عائلته، وتعامل مع الحصان وكأنه يشعر به، وعمل على العناية الفائقة به، ورعاهُ وحفظهُ من كل ضير ومكروب، وأهتم بسلالته وحفظها، ووضع له شجرة عائلة تعود إلى نشأته الأولى في شبه الجزيرة العربية، ويعتبر العرب أنفسهم أنهم أول من روض الخيول، وهم أول من ركبها وأن نبي الله إسماعيل هو أول من استخدم الحصان في التنقل والركوب، وكانت قبله وحشية شاردة في البراري».

أُفضل التعامل مع الخيول بشكل كبير، وأشعر بأنها تفهمني وتتفاعل معي، وتستجيب لأوامري وطلباتي، وتشعر بقدومي أذا غبتُ عن الحظيرة، فعندما أُلامس باب الإسطبل تبدأ بالصهيل، وكأنها عرفت بأني قادم، وكثيراً ما أُخرج أحدها من الحظيرة، وأقوم بالركوب عليها وهي هادئة غير مضطربة، في حين أنه لا يستطيع أي شخص غريب أن يقترب منها، فما إن يقترب منها أي شخص لا تعرفه حتى يجن جنونها

ويضيف قائلاً: «لكوننا فلاحين فمن المفترض بنا أن نكون على علاقة مع الحيوانات على اختلاف أنواعها، فمنذ طفولتي لا تكاد حظيرتنا تخلو من عدد من الماعز والأغنام وبعض الحيوانات الأخرى، ولكن بعد أن كبرت ووعيت بدأ يلفت نظري الحصان بشكل كبير، ولم يكن في ذلك الوقت أحد يستطيع التمييز بين الحصان أكان أصيلاً أم لا، فاقتنيتُ عدداً من الخيول في ذلك الوقت، وبدأتُ برعايتها والاهتمام بها، وفي السبعينيات تقدمت سورية بكتاب إلى المنظمة الدولية للخيول "الواهو"، لتصبح عضواً فيها، وقبلت المنظمة عضوية سورية، وجاء الكتاب بالموافقة، فقامت الوزارة بتشكيل لجنة توجهت إلى جميع أنحاء القطر، لإحصاء عدد الخيول الموجودة وفحصها، والتأكد منها، وأيها أصيل وأيها حصان عادي، وفعلاً بعد الدراسة والإحصاء تم تثبيت /568/ رأسا أصيلا، وصدر عن المنظمة كتاب بهذه الخيول، سمي كتاب "الأنساب"، ولكن لم يثبت أصالة أي من الخيول التي كانت بحوزتي، فاضطررتُ لبيعها جميعها، وقمت بشراء فرس أصيلة ومسجلة، ومعها أوراق ثبوتيتها، وبدأت بتربيتها والاهتمام بها، ومنذ ذلك الوقت بدأت تصلني كتب صادرة عن منظمة الخيول، دُونت فيها أسماء الخيول التي أمتلكها أنا وكل الملاكين في سورية مرقمة مع اسم صاحبها واسمها والمكان الموجودة به».

السيد حسن صاحب مزرعة الخيول

ويضيف السيد "حسن": «في فترة حمل الفرس يتغير سلوكها بشكل واضح، فتهدأ حركتها وتخف، وتُحاول مدارات نفسها وكأنها تعرف بأن ذلك يؤثر على الجنين، وتهتم بأكلها وشربها وكل حركاتها، بشكل يستطيع المربي أن يلاحظه بكل وضوح، وفي فترة الولادة يأتي طبيب بيطري مسؤول من قبل مكتب الخيول، ويُشاهد المولود الجديد ويتفحصه بكل دقة، ويقوم بتدوين أي علامة فارقة به أو أي إشارة أو وشم أو علامة مميزة، ويرسل ذلك إلى مكتب الخيول في "دمشق"، الذي يحضر بدوره بعد شهر من الولادة لمشاهدة المولود الجديد، ومطابقة العلامات التي دونها الطبيب في أول يوم من الولادة، وتُأخذ عينة من دم المولود ويتم إرسالها إلى "ألمانيا"، عن طريق مكتب الخيول، ليتم فحصها وتحليلها ومطابقتها مع زمرة دم "الأب والأم"، فإذا جاءت النتيجة صحيحة يأتي مسؤل من مكتب الخيول ويتم وضع وشم على رقبة الحصان من الجهة اليمنى، فيها رموز مختصة بمكتب الخيول».

وعن طريقة التعامل مع "الحصان" يقول: «تمتاز الخيول العربية الأصيلة بتوددها الكبير لصاحبها، وهذا معروف عنها منذ القدم، فالعرب كانت تراعي هذه الناحية كثيراً، وكانوا يرفضون بيع الحصان لشخص بخيل خشية من أن يجيعها وأن لا يطعمها بشكل جيد، والطعام المفضل لدى الخيول "الشعير والشوفان والأعشاب الخضراء" بشكل عام، ويمتاز أيضا بظرافته ومظهره الرائع، وقوة بنيته وصلابة عظامه، وتحمله وصبره الشديد، كما يمتاز بالألفة وسرعة البديهة والذكاء، وكنت أقف حائر من أحد المواقف التي حصلت معي في ذات يوم، فعندما كنت أغلق الإسطبل على الخيول وأطفئ الكهرباء، أعود بالصباح لأجد الكهرباء مضاءة، فتعجبت كثيراً من ذلك، وعندما تكررت الحالة بتُّ مع الخيول في الحظيرة، لمراقبة ما الذي يحصل، فتفاجأت عندما رأيت أحد الخيول مقبل باتجاه المفتاح الكهربائي ليقوم بالضغط عليه وإشعال الضوء».

احمد النيربي

أما السيد "أحمد النيربي" ابن السيد "حسن" يقول: «تُقسم الخيول الموجودة في سورية إلى عدد كبير من السلالات، وأهمها "المعتقة والصقلاوية والحمدانية والعبيا والشويما وأم عرقوب"، وتُنسب هذه الخيول إلى أصحابها، وإلى القبائل العربية التي تعود إليها، ونحنُ نمتلك أربعة خيول، ثلاثة كبيرة حصان وفرسين ومهر صغير، تم تسجيله منذ فترة قريبة، والخيول هي "كحيلان نواكية" حصان واسمه "سراج حلب"، و"كحيلان نواكية" فرس واسمها "طلة بدر"، و"صقلاوية مرزكانية" واسمها "ترفة الصباح"، وسجل المهر الصغير باسم "نادر أريحا"، وينتمي النسب أو الرسن إلى الأم وليس إلى الأب، وتمتاز سورية بلون خيولها الأزرق وهو اللون الطاغي على ألوان الخيول السورية، بينما أوروبا لون خيولها "الكميت" الأحمر هو الغالب، وتُعتبر أفضل ألوان الخيول بالنسبة لتحمل عوامل الطبيعة "الكميت" الأحمر، وقد وصفه الشعراء كثيراً وتغنوا به وامتدحوه في العديد من المعلقات والقصائد الأخرى، ووردت كثيراً في أحاديث الرسول صلى "الله" عليه وسلم، ويُقال في الخيل أنها صافية الثلاث، أي صافية "العين والحافر والصهيل"، وعريضة الثلاث أي عريضة "الجبهة والصدر والمؤخرة، وقصيرة الثلاث أي "العسيب" وهو أول الذنب، و"السنبك" وهو ما بين الحافر والساعد وهذا يساعدها على تحمل الجري لمسافات أطول، وقصيرة الظهر فهي أقصر من الخيول الأخرى بثلاثة أو أربع فقرات، وتمتاز بشعرها الناعم الذي يكون في الحصان أغزر من الفرس، وجلدها الناعم الشفاف الرقيق، الذي تكاد تشف منه العروق».

ويقول السيد "حسان" المشرف على المزرعة: «أُفضل التعامل مع الخيول بشكل كبير، وأشعر بأنها تفهمني وتتفاعل معي، وتستجيب لأوامري وطلباتي، وتشعر بقدومي أذا غبتُ عن الحظيرة، فعندما أُلامس باب الإسطبل تبدأ بالصهيل، وكأنها عرفت بأني قادم، وكثيراً ما أُخرج أحدها من الحظيرة، وأقوم بالركوب عليها وهي هادئة غير مضطربة، في حين أنه لا يستطيع أي شخص غريب أن يقترب منها، فما إن يقترب منها أي شخص لا تعرفه حتى يجن جنونها».

حسان على صهوة الجواد

ويضيف السيد "حسان": «للخيول لباس مختص بها وهو "عربي وأجنبي"، فأما "العربي" فهو "رشمة" أو "العقال"، يُربط في رأس الحصان ويكون من "الحديد أو الفضة أو النحاس"، ويُربط بحبل ينتهي إلى يد الفارس الذي يمتطي صهوة الجواد، و"السلابند" وهو حزام يُشد على صدر الحصان من الأسفل، ويُربط بالسرج من الأعلى، وهو عبارة عن فضة طُعمت على قطعة من الجلد، لتُزين بها الفرس، و"المعركة" أو "السرج" وهي التي تُوضع على الظهر ليركب عليها الفارس، و"الركابان" وهما يتصلان بـ"السرج" ويُنزلان على طرفي الحصان يضع الراكب أقدامه فيهما».

ويقول "كمال الدين الدميري" في كتابه "حياة الحيوان الكبرى": «الفرس أشبه الحيوان بالإنسان، لما يوجد فيه من الكرم وشرف النفس وعلو الهمة، ومن الخيل ما لا يبول ولا يروث ما دام صاحبه عليه، ومنها ما يعرفُ صاحبه ولا يستطيع أحد غيره الركوب عليه، والخيل نوعان "هجين وعتيق"، وفي طبعه الزهو والخيلاء والسرور بنفسه، والمحبة لصاحبه، ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه وكرمه، أنه لا يأكل بقية علف غيره، ويعيشُ الذكر من الخيل إلى الأربعين عاما، وقد يُعمر بعضها إلى التسعين، وهو يرى "المنامات" كالإنسان تماماً، وفي طبعه أنه لا يشرب الماء إلا كدراً فإن وجده صافيا كدره وشربه».