هي نوع من المأكولات العريقة التي يحرص المسلمون والمسحيون على إعدادها في جميع المناسبات والمناطق في الأفراح والأتراح، ويقترن عيد القديسة "آنا" بإعداد هذه الوجبة وتوزيعها.

ويقترن تحضير وتوزيع الهريسة بالذبائح المقدمة إلى الكنيسة والتي تحدث عنها السيد "عبد الأحد بتروس" أحد أبناء قرية "اليعقوبية" فقال: «الهدف من تحضير الهريسة في المناسبات السعيدة وغير السعيدة إعداد وجبة جماعية للمدعوين والمشاركين في الاحتفالات الدينية والشعبية، فتقدم الخراف إلى الكنيسة قبل يومٍ من العيد لتكون شافعاً لصاحبها من المرض أو رحمةً له بعد موته، وبعد إعدادها تقدم إلى المطران ليصلي عليها ويباركها قبل تقديمها إلى الناس لأكلها والدعاء لصاحبها بما يتمنى».

إن الهريسة المشغولة على الأصول تكون مثل "الكريما". وبالطبع لا تؤكل إلا ساخنة لأنها دسمة جدا، ولهذا السبب لا نتناولها إلا في المناسبات

وتتكون الهريسة من القمح البلدي غير المقشور، أو المقشور، مع لحم الغنم، ويضاف إلى الخليط العديد من أنواع البهارات والتوابل والمنكّهات كالهال وعيدان القرفة والفلفل الأسود والقرنفل والبصل وورق الغار.

تجمع الشبان لتحريك الهريسة

ولأن هذا النوع من الطعام يقدم جماعياً فهو يحتاج إلى خبرة في العمل تحدثت عنها السيدة "إيفا سنوسيان" إحدى الطاهيات أثناء إعدادها لهذه الوجبة في كنيسة القديسة "آنا" في قرية "اليعقوبية" فقالت: «أما آلية التحضير فتكمن في تنظيف اللحم أولا ثم وضعه على النار مع عظمه وغمره بالماء، وكلما طفت الرغوة تنزع عن وجه الماء. وعندما ينضج اللحم تستبدل المياه بأخرى نظيفة وتضاف إليها المنكهات، ويتحلق الساهرون حول "الخلقين" وهي وعاء كبير تحضر فيه "الهريسة" منذ بداية السهرة مستحضرين حبات البطاطا والثوم طوال فترة السهرة».

وأضافت "إيفا" عندما يبدأ اللحم بالتحلل عن العظم يؤتى بكميات القمح المغسولة والمنقوعة بالماء مسبقا، ويحرص الساهرون على "الخلقين" أن يزيدوا الماء على الخليط حتى لا يجف، وأن ينزعوا اللحم عن العظم، وكذلك سحب محتويات العظم وإبقاؤها في "الخلقين" مما يزيد من دسم الهريسة، وما إن تبدأ حبوب القمح بالتفتح فوق نار هادئة حتى يؤتى بالمخباط أو "المهراس"، وهو عبارة عن ملعقة خشبية ضخمة من أجل تحريك الخليط منعا لالتصاقه وسعيا للخلط الكامل بحيث لا يستطيع الناظر إليه التمييز بين القمح واللحم. وتستمر هذه العملية غير السهلة بالطبع حتى الصباح بالتعاون بين الممسك دوما بالمهراس والمعد للحطب ووقده بإتقان وتؤدة، والرفاق الذين يحضرون النراجيل وبعض الطيبات المشوية على الجمر، وفي صباح اليوم التالي تكون الهريسة قد أصبحت جاهزة للالتهام، فيقف المدعوون أو الرواد صفوفا لكي ينال كل واحد حصته من الوجبة الساخنة، إما في صحن من كرتون وإما على صفحة من رغيف الخبز».

النسوة يحضرن وجبات الهريسة

ويقول "أرتين رفول" أحد المتخصصين في إعداد الهريسة: «إن الهريسة المشغولة على الأصول تكون مثل "الكريما". وبالطبع لا تؤكل إلا ساخنة لأنها دسمة جدا، ولهذا السبب لا نتناولها إلا في المناسبات».

ويضيف: «إذا كان المشاركون في المناسبة قليلي العدد فيستعاض عن "الخلقين" بـ"الدست" وهو وعاء نحاسي أيضا أصغر من "الخلقين" ويتميز بقبضتين عند فوهته للتمكن من حمله، وتحضر الهريسة فيه بنفس الطريقة ولكنها تستدعي وقتا أقل، وقد لا يتم تحضيرها ابتداء من السهرة، بل ابتداء من الصباح الباكر في يوم المناسبة، وهريسة "الدست" تعد أيضا على موقد الحطب على غرار هريسة "الخلقين"، وأحيانا يعمد المحتفلون في القرى بالأعياد والأعراس إلى إرسال حصص من "أكلة الموسم" إلى الأقارب أو الأصدقاء في المدن، الذين لم تتيسر لهم المشاركة في الاحتفال».

الهريسة بعد أن نتضج

ولأنها إحدى المأكولات الجماعية تحتاج الهريسة إلى عمل جماعي مملوء بالمتعة قال عنه السيد "نوبار نصيف" أحد معديها :«أثناء إعداد الهريسة لابد من الاحتفال بالمناسبة التي تطبخ الهريسة لأجلها وتكون بحلقات الدبكة والأغاني الشعبية والرقص إضافةً إلى مساعدة بعضنا للآخر بهرسها وتحريكها، ويتولى هذه المهمة شبان أقوياء، فيما تكون وظيفة النساء إعداد العبوات الكرتونية لتوزيعها فيما بعد».

يشار إلى أن كلمة "الهريسة" تطلق أيضا على نوع من الحلوى مع "القشطة"، ولكن مكوناتها تختلف كليا عن هريسة القمح التي تؤكل كوجبة طعام.