رغم تعدد وتنوع مواد الضيافة التي أنتجتها معامل الصناعات الغذائية، فإن القهوة العربية "القهوة المرّة" لا تزال تحتفظ بمكانتها الكبيرة في مختلف المجالس، وفي كل المناسبات، وتبقى الضيافة المستحبة والمرغوب بها في كل المضافات، ومن قبل جميع الضيوف على اختلاف ثقافاتهم وقناعاتهم.

وفي مضافة الحاج "خالد الزهران" في قرية "بابيلا" قرب مدينة "معرة النعمان"، كان لموقع eIdleb هذه اللقاءات، بغية التعرف أكثر على أصول طبخ القهوة المرّة وتقديمها، والمعاني المرتبطة بفنجان القهوة المرّة.

ويقدم فنجان القهوة المرّة للضيف بعد السلام عليه، وإيجاد مكان مناسب لجلوسه، ثم يصب له فنجان القهوة ويقدم باليد اليمنى، ويتناوله الضيف باليمنى أيضاً، ويهزه عندما ينتهي من شرب الفنجان إذا لم يكن يريد غيره، إشارة إلى الاكتفاء والشكر

يقول الحاج "خالد": «تقدم القهوة المرّة في كل المناسبات، في الأفراح والأتراح ودون مناسبة أيضاً، ويعتبر الاعتذار عن شربها في بيت المضيف من قلة الواجب، وعدم الاحترام لصاحب البيت، وللأهمية الكبيرة لفنجان القهوة في عاداتنا وتقاليدنا العربية، نجد أنه عندما يأتي أحدهم إلى آخر بطلب معين، كأن يأتي معاتباً أو يخطب عروساً، فإنه يضع فنجان القهوة أمامه ولا يشربه حتى يسأله المضيف عن حاجته ويلبيها، أو يقول له: اشرب قهوتك طلبك مستجاب».

الحاج خالد الزهران

ويضيف: «ويقدم فنجان القهوة المرّة للضيف بعد السلام عليه، وإيجاد مكان مناسب لجلوسه، ثم يصب له فنجان القهوة ويقدم باليد اليمنى، ويتناوله الضيف باليمنى أيضاً، ويهزه عندما ينتهي من شرب الفنجان إذا لم يكن يريد غيره، إشارة إلى الاكتفاء والشكر».

يتطلب تحضير القهوة المرّة مهارات خاصة لا يعرفها إلا القليل، كما أن تحضيرها يدوياً يعتبر من أفضل الأعمال التي يقوم بها الرجل أمام ضيوفه، لذلك يتفنن الكثيرون في عملها، ويقول الحاج "أحمد المواس" عن ذلك: «الأدوات التي تستخدم في القهوة المرّة واحدة في كل المضافات، وهي "المحماسة" وتستخدم لحمس أو تحميص القهوة، و"المبرادة" وتستعمل لتبريد القهوة، و"المهباش أو النجر" ويستخدم لطحن القهوة، وهناك "الدلة المطباخة" وتستخدم لطبخ القهوة، و"الدلة المبهارة" وهي عبارة عن "دّلة" صغيرة تبهر بها القهوة، و"المنفاخ" تستعمل لزيادة إشعال النار، و"الليف" وهو الذي يحجب الهبل من النزول في الفنجان عند صبه، و"البيق" تمسك به "الدّلة" إن كانت حارة».

الحاج أحمد المواس

ويتابع الحاج "أحمد" حديثه عن طريقة إعداد القهوة المرّة بالقول: «نبدأ بإشعال النار، ثم نضع "المحماسة" عليها ونضع فيها القهوة، ثم نقوم بتحريكها جيداً بحيث لا تثبت في مكان واحد حتى لا تحترق، ونستمر في التحريك حتى تصبح القهوة شقراء أو سمراء حسب الطلب، ثم نضعها فوراً في "المبرادة" لبضع دقائق حتى تبرد، بعدئذ نضعها في "المهباش" ونطحنها جيداً، ثم نضعها على كمية الماء المغلي في "المطباخة"، ونتركها حتى تغلي بهدوء، وفي هذه الأثناء نقوم بطحن الهيل في المهباش ونضعه في "المبهارة" الفارغة ونبعد "المطباخة" عن النار ونتركها تهدأ قليلا، ثم نصب القهوة في "المبهارة" المحتوية على الهيل فقط، ونضعها على النار ونتركها حتى تغلي قليلاً وننزلها عن النار، نضع "الليف" في فمها لكي يحجب الهيل من النزول، وبذلك تصبح القهوة جاهزة، وفي هذا الإطار نذكر أنه في المجالس العربية لا تستقر فناجين القهوة ولا دلتها في مكانها، ولا سيما في مجالس الشيوخ والوجهاء، وتقتضي العادات انه كلما دخل ضيف جديد على المجلس تدور فناجين القهوة من جديد على جميع الجالسين، ولا يجوز أن يغادر احدهم المجلس والفناجين تدور وإنما عليه الانتظار حتى تستقر الفناجين في مكانها».

وعن الأدبيات التي كرّسها التراث العربي عند تقديم القهوة المرّة، يقول الباحث "محمد السموري": «اعتبرت القهوة المرّة عند العرب رمزاً من رموز الكرم والتفاخر والضيافة، وقد حظيت بالاحترام عند معديها وشاربيها على حد سواء، وقد دخلت القهوة المرّة مألوفات الحياة اليومية بما في ذلك المعتقدات الشعبية، ومنها أن صاحب البيت هو أول من يشربها للتأكد أنها جيدة الصنع قبل تقديمها للضيوف، وليطمئن الضيف أنها غير مسمومة وهذا دليل على الإيثار والجود بالنفس، حيث يقدم نفسه فداء ضيفه تحاشياً من العار الكبير الذي سيلحق به لو أصيب ضيفه بمكروه في بيته، والعرب يهتمون كثيراً بجودة القهوة، فتثور ثائرة المضيف إذا أخبره أحد أن قهوته فيها خلل أو تغير في مذاقها، ويعبّرون عن ذلك بقولهم: "قهوتك صايدة" ولكن بمودّة ودون أن يشعر بالكلام أحد لأن القهوة لا تعاب علنا مهما كانت، وإن أعابها أحد فإن عليه إثبات ذلك، وجرت العادة أن يقدّم الماء قبل القهوة، لأنه لا يجوز طلب الماء بعد شربها مباشرة، فهذا يعني أن القهوة غير جيدة».

دلال القهوة المرة

ويضيف الباحث "سموري" قائلاً: «القهوة تحظى بالكثير من الاحترام عند العرب، وللقهوة المرّة عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وكل القبائل، فيجب أن تقدِّم القهوة للضيوف وأنت واقف، أما الجلوس أمام الضيف ومناولته الفنجان فمن أكبر درجات الإكرام والتبجيل، كما أن تكسير الفناجين أمام الضيف المهم دلالة على أن لا أحد يستحق الشرب فيها بعده، وهذه أعلى درجات التبجيل والإكرام، وعليك أن تمسك بـ"الدّلة" بيدك اليسرى وتقدم الفنجان باليد اليمنى، ولا تجلس أبداً حتى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة، عند تقديم القهوة للضيوف يجب أن تبدأ من اليمين، أو تبدأ بالضيف مباشرة ومن ثم تتابع على يمينه، ومن مهارة صبّ القهوة أن تحدث صوتاً خفيفاً نتيجة ملامسة الفنجان للدلة، ويقصد بهذه الحركة تنبيه الضيف إذا كان شارداً، أو متكئاً لأنه لا يجوز تناول القهوة أثناء الإضطجاع».