كما تتميز "إدلب" بأشجار الزيتون حيث اقترن اسمها بلون هذه الثمرة المباركة، فإنها تتميز أدبياً بفن القصة، حيث تحتضن هذه المحافظة عدداً لا بأس به من فرسان هذا النوع الأدبي والذين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأديب الكبير المرحوم "حسيب كيالي" والأساتذة "نجيب كيالي وتاج الدين الموسى وخطيب بدلة وابتسام التريسي" ومن الجيل الشاب "مصطفى الموسى".

الأديب الأستاذ "نجيب كيالي" تحدث لموقع eIdleb عن حال أدب القصة القصيرة في "إدلب" بالقول: «نستطيع أن نصفَ القصةَ في إدلب بأنها "ابنة الحياة، أي إنها- رغم تجلياتها المختلفة- تتفق على أمرٍ مركزيّ يُبرز شخصيتَها هو أن زمرتها الدموية من حيث التعامل مع الواقع "A – إيجابي"، وعمر القصة متجذر في التراب الفني لهذه المحافظة، ولها نسبٌ يمتد إلى أمها الحكاية تلك التي كانت تُروى شفاهاً، وهي غنية بالطرافة وحمولات الواقع ومفرداته الشعبية، وعند الحديث عن القصة والقص الإدلبي يحضر سريعاً اسمُ الرائد الكبير "حسيب كيالي"، وحينما تقرأ أعماله التي طبعتها وزارة الثقافة منذ سنوات قليلة، ووصل عدد أجزائها إلى ثلاثة من الحجم الكبير أقول: حينما تقرأ تلك الأعمال تشعر بطزاجة الحرف واللقطة القصصية الإنسانية وكأنها كُتبت اليوم! ومما لا شك فيه أنَّ "حسيباً" هو مؤسس فن السخرية لا في القصة الإدلبية والسورية، وإنما في القصة العربية أيضاً، مع "حسيب" أو قبله كان هناك أخوه "مواهب كيالي" الذي كتب قصصاً امتازتْ مع أبعادها الحياتية والساخرة أحياناً بالبناء الفني وجماليات الحبكة، لكنَّ قلم "مواهب" توقف سريعاً عن القص وانصرف إلى السياسة، بعد رحيل "حسيب" في التسعينيات من القرن الفائت، بل قبل رحيله بكثير ظهر جيل من القاصين، أخذ ذلك الجيل من أصالة القصة الإدلبية وخصوصيتها، لكنه- في الوقت نفسه- حملَ إليها روائحَ التجديد والابتكار، ومن الجيل المشار إليه نذكر أسماء "تاج الدين الموسى وخطيب بدلة ونجيب كيالي"».

في عصر الرواية، كما يطلق على زمننا الحالي، قلّ الاهتمام بالقصّة كفن كانت له السيادة في منتصف القرن الماضي، فتحوّل معظم كتّاب القصّة إلى خوض غمار الرواية على الرغم من إصرار البعض على ريادة هذا الفن وأهميته وحضوره القوي على الساحة العربية، ربّما تكمن العلّة في المتلقي أحياناً، وفي ترويج دور النشر للرواية وعدم اهتمامهم بالقصّة، لكنّ الفضاء الافتراضي أعاد للقصة ألقها، لأنّها تناسب من حيث الحجم القارئ المستخدم للانترنت، كفن أجد القصة قادرة على اختصار الزمن، والاستفادة من الأنواع الأدبية الأخرى بشكل عام، وهي تناسب الرتم السريع للعصر، وقادرة على الاستحواذ على المتلقي وأسره لدقائق، وأتصور أنّها ستبقى محافظة على وجودها على الرغم من الطوفان الروائي، لأنّ هناك أفكاراً وأحداثاً لا يستطيع المبدع أن يكتبها في قالب روائي ولا شعري، وتناسب القصّة أكثر ولأنّ هناك من يدافع عن هذا الفن، ويتفرغ له كلية فقط يحتاج فن القصّة إلى مواكبة نقدية حقيقية وإلى ناشر مغامر أو مؤمن بأهمية هذا الفن

ويتابع الأستاذ "كيالي": «وإذا أردنا أن نشير إلى خصوصية كل من هؤلاء يمكن القول بأن "تاج الدين الموسى" قصصه معجونة بعذابات القرية وانتهاكات التقاليد فيها لحرية الإنسان، ووقوفها سداً عالياً أمام أحلامه، والقرية عنده تتعدى دلالتها الحرفية لتكون نموذجاً للتخلف والظلم المعششين في بلاد العرب، وهو كاتب جريء، يستعمل السخرية أحياناً لا دائماً، أما "خطيب بدلة" فقد نشأ قلمه منذ البداية في أحضان الصحافة، فعلى قصصه أثر واضح من الحياة الصحفية يتمثل في تناول الأفكار الساخنة، والجملة المتداولة، مع الرشاقة، وخفة الظل، وإمكانية التواصل والتوصيل لجميع الشرائح، وهو ساخر في جميع ما يكتب، أما "نجيب كيالي" فقد مالَ بقوة إلى القصة القصيرة جداً، وله فيها مجموعتان مطبوعتان هما: "ميت لا يموت" و"قُبلة بالشماسي"، ومجموعة ثالثة مخطوطة هي "بين زُرقتين"، كما أنه كتب القصة القصيرة ساخراً حيناً، وغيرَ ساخر حيناً آخر، وينحو بأسلوبه إلى قدر من الشاعرية والرمزية الخفيفة، إلى جانب هؤلاء القاصين نجد أسماء أخرى لم يتخصص أصحابها في كتابة القصة القصيرة، بل لجؤوا إليها في بعض الأوقات إلى جوار إنتاجهم في الرواية أو الدراسات أو أدب الأطفال أو غير ذلك، من هذه الطائفة "محمد قرانيا، عارف الخطيب، د. محمد فاتح زغل، ابتسام التريسي، عبد الرحمن حلاق"، ولدينا طائفة ثانية كتب بعضها مجموعةً قصصية أو اثنتين ثم توقف، أو ظل يكتب لنفسه بين حين وآخر بعيداً عن النشر والضوء مثل "محمود حميداني وأحمد شيخ محمد ومصطفى الشب وزياد الأحمد وأحمد الشايب"، عندنا أيضاً طائفة ثالثة كتبَ أصحابها الحكايةَ تارة، والقصةَ تارة أخرى، وهم في سن متقدم، ربما جذَبَتْهم إلى دنيا القص الخصوبةُ النسبية في المناخ القصصي الإدلبي، منهم مثلاً "محمد عادل صادق وعبد الرحمن زكور"، والمهم أخيراً أن جيلاً جديداً بعد هؤلاء جميعاً دخلَ الساحة، وهذا الجيل عينه أولاً على الحداثة القصصية، وهو يؤكد وجوده يوماً بعد يوم، والأسماء كثيرة، ولعل أبرزها هو "مصطفى الموسى" الذي يبدو واعداً بإبداع كبير وانعطاف إلى مسارات جديدة».

نجيب كيالي

أما الروائية والقاصة "ابتسام التريسي" فتقول: « في عصر الرواية، كما يطلق على زمننا الحالي، قلّ الاهتمام بالقصّة كفن كانت له السيادة في منتصف القرن الماضي، فتحوّل معظم كتّاب القصّة إلى خوض غمار الرواية على الرغم من إصرار البعض على ريادة هذا الفن وأهميته وحضوره القوي على الساحة العربية، ربّما تكمن العلّة في المتلقي أحياناً، وفي ترويج دور النشر للرواية وعدم اهتمامهم بالقصّة، لكنّ الفضاء الافتراضي أعاد للقصة ألقها، لأنّها تناسب من حيث الحجم القارئ المستخدم للانترنت، كفن أجد القصة قادرة على اختصار الزمن، والاستفادة من الأنواع الأدبية الأخرى بشكل عام، وهي تناسب الرتم السريع للعصر، وقادرة على الاستحواذ على المتلقي وأسره لدقائق، وأتصور أنّها ستبقى محافظة على وجودها على الرغم من الطوفان الروائي، لأنّ هناك أفكاراً وأحداثاً لا يستطيع المبدع أن يكتبها في قالب روائي ولا شعري، وتناسب القصّة أكثر ولأنّ هناك من يدافع عن هذا الفن، ويتفرغ له كلية فقط يحتاج فن القصّة إلى مواكبة نقدية حقيقية وإلى ناشر مغامر أو مؤمن بأهمية هذا الفن».

ابتسام التريسي