فتاة سارحة الخيال، وجدت بالشعر ملاذها الذي ليس له بديل، فهو الذي تستطيع من خلاله أن تبث آلامها وأحزانها وكل ما يعتلج في صدرها، بعيداً عن صخب الحياة وضوضاء الواقع، فتاة حاولت أن تجعل من أبياتها وقصائدها ملجأ للنساء من حولها، وأن تُعبر عن المعاناة التي تمر بها المرأة والتي كانت وما زالت وستبقى هي الخاسر الوحيد في الرهان الذي أوجده المجتمع.

"مروة شعيب" موهبة شعرية شابة متمكنة من الشعر ولكنها لا تزال ترقد في الظل، التقاها موقع eIdleb لتحدثنا بجرأة الطائر الذي تحرر من سجنه، وأطلق العنان في أفق السماء، عن تجربتها الشعرية والتي بدأت بالقول: «بدأتُ كتابة الشعر في مرحلة متأخرة فبعد أن تجاوزت السادس عشرة من العمر وجدت أن ما بداخلي من عواطف ومشاعر بحاجة إلى أن يترجم على الورق، ولأني كنت أُحس برغبة كبيرة لأن أعرف ما الذي يُعنيه الحب فأردت أن أعيش الحب في كل حالته من نفسي وخيالي السارح، وأقوم بوصف هذه الحالات من وجهة نظري، فكان لا بد لي من أن اكتب الشعر ولم أكن أنوي أو أفكر قبل هذا السن أن أكتب أو أحاول الكتابة، ولم أكن أتخيل ذلك حيث ولدت لأسرة محافظة وكانت حياتي حتى هذا الوقت حِكرا على المنزل ولم تكن توجد أي صلة تربطني بالعالم الخارجي فكنت أشبه بعصفور قدرت له الحياة أن يعيش ملازماً لقضبان القفص الحديدي الذي وضع في داخله».

تُعتبر "مروة" من المواهب الرائعة التي صادفتها، وقرأتُ لها، وأعجبتُ بقصائدها التي تنم عن أسلوب شاعري، ذو خلفية ثقافية وخيال وعواطف شجية صادقة جمة، ومن الناحية الأدبية تتميز من الكثير من المواهب المحيطة بها بصدق الكلمة والتمكن الواضح في قصائدها، وكأنها سادنة وحارسة لصرح مقدس اسمه الشعر

وتضيف "مروة": «وُلدت في "السعودية" وبعد أن كبرت تحولت للسكن في مدينة "إدلب" فكان لذلك أيضاً أثراً على تكويني وسبك شخصيتي الشعرية ولعله أستطاع أن يشعل الثورة في داخلي وأن يجعلني أتمرد على الواقع الذي عشت فيه، وأن أجد طريقة جديدة ألتقي بها مع واقعي الجديد، فكان الشعر هو الملاذ الذي لا بد منه، لأُعبر عما شعرت به في هذه المرحلة، وبعد أن وصلتُ إلى مرحلة الشهادة الثانوية قمتُ بالتسجيل في كلية الآداب قسم اللغة العربية لأبقى على تواصل مع اللغة والأدب، وأستطيع أن أعيش في جو اللغة العربية في كل الطقوس والظروف».

مروة شعيب

  • في داخل كل شخص شاعر كما يقال في مرحلة من المراحل، ولكن الشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يبتدع قصيدة حقيقية تضع قدمه على جادة الطريق الأدبي القويم، وتكون جواز عبور له على هذا العالم الواسع، فكيف استطعتِ أن تسلكي هذا الطريق، ومن أين كانت البداية؟
  • ** لقد ساهمت العاطفة إلى حد كبير في صناعتي، ولا أقصد بذلك أنني عشت قصة حب، ولكن ما أقصده ما كان يتدفق بداخلي من عواطف طغت على واقعي بشكل كبير، وكنت لا بد من أن أجد منفذاً لهذه المشاعر التي تتدفق بداخلي، حتى ترى ضوء النهار، وأقصر الطرق كانت هي الورقة والقلم، فبدأتُ أكتب القصائد العذرية الغرامية، التي اصنعها من مخيلتي، وأتحدثُ عنها وكأنها شيء جرى في الحقيقة، ولكني لم أقتصر على نوع واحد، بل كنت مُطلقة العنان ومعطية الحرية لداخلي ليبدع لي كل ما يشاء، فكنت أكتب بالشيء الذي أحس به فكتبت قصيدة تحدثت فيها عن دخولي إلى المدرسة، وما تركه ذلك من أثر في نفسي، وكتبت قصيدة رثاء لأخ لي قد توفي، فكانت بدايتي من هنا حيث أحسست بأن قلمي بدأ ينضج وكلماتي بدأت تتناسب مع ما في داخلي من أفكار وتعبر عنها بشكل صحيح.

    محمد العمر

  • الشعر ليس حِكراً على الرجل دون المرأة، بل إن لكل إنسان يحس ويشعر أن يكون شاعراً، فهل نجد اختلافا بين المرأة الشاعرة والشاعر الرجل؟
  • ** في الحقيقة لا أظن أن الشعر يختلف بين المرأة والرجل، فالشعر هو الكلمات والأفكار الجميلة العذبة الرقيقة، التي تعبر عما يجول في داخل الشاعر رجل كان أو امرأة، ويستطيع من خلالها أن يجعل الناس الذين من حوله يعيشون اللحظة التي مثلها في شعره، فالشعر هو الثورة الحقيقية التي تتفجر داخل الإنسان، فتجعل من عواطفه ومشاعره سيلاً عرمرماً لا يتوقف أبداً، وهذا مالا يمتلكه الرجل والمرأة بإرادتهما، بل خارجً عنها، والشاعر هو الإنسان الذي يرى ويسمع ويستطيع أن يجعل من حوله يرون ويسمعون ما سمعه وما رآه من غير أن يشعروا بذلك، وهذا أيضاً لا تختص به المرأة ولا ينفرد به الرجل».

  • لكل عامل في الوجود أدواته التي يستطيع من خلالها أن يُحكم السيطرة على صنعته، فالنجار والحداد والصياد وغيرهم لولا أدواتهم لما استطاعوا أن يثبتوا أنفسهم في الوجود، فهل للشاعر أدوات، كما لهؤلاء وما هي هذه الأدوات إن وجدت؟
  • ** مما لا شك فيه أن الشعر صنعه كغيرها من الصناعات، ولكي تزدهر وترقى إلى مستوى جيد يجب على الشاعر أن يمتلك الأدوات المشحوذة والجاهزة للعمل على الدوام، والتي في مقدمتها الموهبة، وهذه الأداة خارجة عن إرادة البشر فالله وحده هو الذي يتحكم فيها، وثانيها الخيال الواسع، الذي لا يستطيع الشاعر من دونه أن يبرح من مكانه فكلما وسع خيال الشاعر استطاع أن يُنتج الأفكار الجميلة وأن ينتقي المواضيع الشيقة، التي يصبغ بها قصائده وأبياته، وثالثها المخزون اللغوي الكبير الذي كلما زاد لدى الشاعر استطاع أن يلتف على أفكاره ويحكم السيطرة عليها، لتصبح مثل العجينة بيد الخباز، يقلبها كما يشاء ويصنع منها الشكل الذي يريد».

  • لطالما كانت المرأة هي الملهمة وهي صانعة الإلهام ولكن أيضاً هي المبدعة وهي التي تصنع الإبداع، فهل للوجود الأنثوي حضور في المشهد الأدبي القائم بـ"إدلب" من وجهت نظرك، وما السبب في ذلك؟
  • ** لا تزال "إدلب" من المحافظات المنغلقة على نفسها، ولا تزال تنظر إلى المرأة على أنها الورقة الأضعف وأن الرجل هو وحده المتربع على عرش الأدب، وهو الوحيد الذي يستطيع التحكم فيه، والتفنن بألوانه ولكن المرأة تحاول أن تثبت له عكس ذلك، على الرغم من بعض الأنموذجات القليلة وبعض التجارب الخجولة التي لم يقدر لها الظهور بشكل جيد، والسبب الأساسي في ذلك العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي لا تزال تفعل فعلتها في العقول في المحافظة إضافة إلى عدم فهم الجمهور لها وقلت الجرأة التي تتحلى بها الشاعرات في المحافظة الأمر الذي يدفعني دائماً لأن أحمل لواء المرأة وأستطيع أن أوصل صوتها للجميع وخصوصاً النساء اللواتي يوجد لديهن ما يستحق أن ينظر إليه في مجال الأدب وفي سواه.

  • تتنوع أجناس الشعر، وتتعدد أغراضه وأشكاله، فما اللون الذي استوقفك وكيف اعتمدت على صياغة قصائدك؟
  • ** أكتبُ الشعر القديم والحديث، فالشعر القديم يمتاز بالموسيقى الرائعة التي تنساب بين أبياته، والشعر الحديث يمتاز بالغموض والغوص إلى وراء الكلمات، ولكل جماليته، وأما بالنسبة للون الشعري فإن الطاغي في قصائدي الغزل، ولكنني أكتب كل الأنواع وأحبها إلي الشعر الوطني القومي، الذي أُحس بأنه الرابط الوثيق الذي يربطني ويجعلني أنتمي لمجتمعي بقوة، وأغلب قصائدي لا تحمل عنوان، لأنني أعمد أن أترك العنوان للقارئ لكي يشعر بانتماء إلى قصيدتي عندما يضع عنوان يتوافق وذوقه الأدبي.

    وتضيف "مروة": «للآن ليس لدي ديوان شعر مطبوع، ولكن سأسعى جادة لذلك، ولكنني شاركتُ بالكثير من المسابقات على مستوى المحافظة، وأهمها مسابقة برعاية اتحاد الطلبة، ومسابقة رعاها اتحاد الكتاب العرب، وحزت على مراكز جيدة وأتمنى أن يُلقى الضوء بشكل اكبر على الواقع الأدبي، ولا سيما الدور المناط بالمرأة، حتى نستطيع الوصول وبأقرب وقت إلى الناس والجمهور، ويُصبح لنا وجود وحضور على الساحة الأدبية».

    ويقول "محمد العمر" أحد أصدقاء مروة وزميلها بالدراسة: «تُعتبر "مروة" من المواهب الرائعة التي صادفتها، وقرأتُ لها، وأعجبتُ بقصائدها التي تنم عن أسلوب شاعري، ذو خلفية ثقافية وخيال وعواطف شجية صادقة جمة، ومن الناحية الأدبية تتميز من الكثير من المواهب المحيطة بها بصدق الكلمة والتمكن الواضح في قصائدها، وكأنها سادنة وحارسة لصرح مقدس اسمه الشعر».

    يشار إلى أن "مروة" من مواليد "تبوك السعودية" لعام /1987/ وهي بالأصل من بلدة "كفرتخاريم" من ريف "إدلب" ومقيمة حالياً في "إدلب" المدينة وتحمل إجازة باللغة العربية.