لم تكن الرسالة التي كتبها "مصطفى إدلبي" في ربيعه السادس عشر مثل "رسالة الغفران للمعري" لكنها كانت بشارةً على مولد موهبةٍ شعرية تتمتع بالحس المرهف والخيال الخصب رغم أنها كانت رسالةً نمطيةً حملت التحية إلى أخيه البعيد تحمل أشواق أخٍ أسره الحنين.

هكذا كانت البداية الشعرية لمسيرةٍ حافلةٍ مع القوافي والأوزان للشاعر "مصطفى إدلبي" الذي حدث موقع eIdleb عن مسيرته مع العطاء الشعري المستمر حتى الآن، فعن نمو موهبته الشعرية قال: «البداية كانت منذ نعومة أظفاري مع أقاصيص الأطفال التي كنت أقتنيها وقصائد اللغة العربية التي حفظتها منذ الصف الثاني لشاعر النيل "حافظ ابراهيم" و"محمد مهدي الجواهري"، كما أن جلوسي في حلقات الأطفال في المساجد أكسبتني اللغة العربية الصحيحة وزادت من مدركاتي اللغوية ولا أنكر أن القصص الشعبية وقصص الأطفال كان لها الدور الأكبر في زرع القيم وتنمية المدارك، ورغم أنني درست الفرع العلمي في الشهادة الثانوية إلا أنني درست اللغة العربية في المرحلة الجامعية وفيها اطلعت على دواوين لشعراء منهم الفطاحل والمخضرمون من زمن الجاهلية وحتى "إيليا أبو ماضي"، كل ذلك النتاج العظيم للشعراء أثر في اتجاهي الشعري».

إن التنوع في المواضيع والاتجاهات عند "مصطفى إدلبي" يجعلنا نقف أمام هذا الكم الهائل من المخزون اللغوي لديه ويصور لنا حياةً حافلةً بالأحداث التي وثقتها الكلمة الموزونة بقصائد حملت قيماً أهمها العطاء بلا توقف غير محتكرٍ لشعريته، فهو يؤمن أن القصيدة ليست ملكاً للشاعر، فهي إن بقيت في حناياه أو في طيات الكتب فذلك دفن للقصيدة

الرحلة مع الشعر التي امتدت به لأقطار عربية حملت في طياتها تجارب قال عنها: «رحلتي في الجزائر كانت حافلةً بالنتاج الشعري، فهي جزءٌ من ذاك الوطن الكبير الذي مزقته الحدود وما قلته في الجزائر كثير وإليك منه: "هلمي هلمي فتاة الهلال.. لحمل السلاح وخوض الجهاد... فكوني شهاباً ينير الطريق.. وكوني حراباً تهز الفؤاد"، أما في السعودية فكان ديوان "الحجازيات" وهي القصائد التي كتبتها في بلاد الحجاز وهي تحمل الشوق والحنين إلى الأهل والأولاد في المقام الأول وقصائد تتناول اللغة العربية ومجموعات غزلية».

الشاعر مصطفى إدلبي

ولحبه للقصيدة الموزونة دلالات تطرق إليها قائلاً: «لا شك أن قصيدة النثر تمتلك الخيال والعاطفة والأغراض الشعرية التي يستطيع الشاعر أن يبوح بها، لكن القصيدة الموزونة تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فالموسيقا التي تمتلكها القافية تغني الموضوع وتأتي الكلمات لتزن القصيدة، وأرى أن الهروب من القافية هو العجز الحقيقي الذي يراه مؤيدو القصائد الحديثة خاصةً التي تنطق باللغة العامية، فروح الشعر العربي تكمن في فصاحته ولا يمكن قبول أي جنسٍ أدبي خارجٍ عن وحي الأدب في كتابة الأدب».

"شاعر اللحظة" كما يسمى "مصطفى إدلبي" يرى أن الأديب ليس نبياً فيقول: «الشاعر في نهاية المطاف هو فرد في مجتمع يعيش معه أحاسيسه وأفراحه وأتراحه، يعبر بصوته كما تنبض الأفئدة، وإذا ابتعد بشاعريته عن محيطه أصبح منبوذاً باتجاهه الفردي وعزلته، لذلك كتبت الشعر القومي، وأنا أفتخر وأعتز بأنني أقول شعري لوطني وأمتي، وهذا لا ينفي شعر الغزل الذي حملته أيام الصبا، أو الشعر الوجداني، لكنني حملت وطني في قلبي عندما ذهبت إلى الجزائر وإلى السعودية.

محمد حجازي مدير ثقافي الجسر

وعن ذلك العطاء المتدفق لدى "مصطفى إدلبي" تحدث الأستاذ "محمد جمعة حجازي" مدير المركز الثقافي في "جسر الشغور" فقال: «يمتلك الشاعر القدرة والتنوع في المواضيع ولديه الوجدانية الكاملة، وما ذاك إلا تطابق مع شخصيته ومكنوناته الداخلية، الوطن مقدس عند "مصطفى إدلبي" وكذلك القيم والأخلاق، فهو يكتب لكي يفتح آفاق النور ويطمح لمستقبل وجد فيه على أرض الواقع كل ما باح به شعراً».

أما عن اتجاهه الأدبي فتحدث الشاعر "محمد الشيخ علي": «إن التنوع في المواضيع والاتجاهات عند "مصطفى إدلبي" يجعلنا نقف أمام هذا الكم الهائل من المخزون اللغوي لديه ويصور لنا حياةً حافلةً بالأحداث التي وثقتها الكلمة الموزونة بقصائد حملت قيماً أهمها العطاء بلا توقف غير محتكرٍ لشعريته، فهو يؤمن أن القصيدة ليست ملكاً للشاعر، فهي إن بقيت في حناياه أو في طيات الكتب فذلك دفن للقصيدة».

الشاعر محمد الشيخ علي

يشار إلى أن الشاعر "مصطفى إدلبي" من مواليد مدينة "جسر الشغور" /1947/، عمل مدرساً للغة العربية في مدارسها الثانوية وأميناً لنقابة المعلمين، وأسس برفقة العديد من الأدباء والمثقفين "منتدى جسر الشغور الإبداعي"، وهو عضو لجنة التحكيم في مسابقة الشعراء الشباب في "إدلب"، شارك في العديد من الفعاليات داخل سورية وفي ملتقيات المعلمين والمراكز الثقافية، وله ديوانا شعرٍ وهما "الحجازيات" و"بوح الانتظار" وقصائد أخرى منها "الحنين"، "بإذن الله"، "في الوجدان شذاها"، "طاب الموت يا عرب"..

كُرِم في الجزائر عن قصيدة كتبتها وحصل على وشاح الجزائر، كما حصل على جائزة نقابة المعلمين عن قصيدة "عيداك يا نيسان".