"لقد عشنا مرحلة معقدة من الانغلاق والكبت، وكانت أفكار المنفلوطي مسيطرة، ويمكن القول: إنّ عصرنا هو عصر المنفلوطي الرومانسي بامتياز فقد كان محرماً على المرأة التعليم والخروج، وكان عليها أن تقبع خلف أبواب موصدة تنتظر ابن الحلال".

والكلام للشاعر (محمد الفرا) إبن معرة النعمان، والمولود فيها /عام 1947م/، وهو خريج معهد اللغة الإنكليزية في دمشق /عام 1970م/ الذي أضاف عن بداياته: "بدأت بكتابة شعر الرجز وأنا طالب في المرحلة الإعدادية، وفي مرحلة الثانوي تطورت إلى كتابات نثرية، وأذكر أنني بدأت بنقد تجربة شعر التفعيلة:

قد قصدت الشعر يوما أبتغي الوزن الصحيح

قال لي شعر رويدا إبكني إني جريح

إذ رماني الخطب سهما حلّ مني في الصميم

لقد كانت المرأة المغيبة أكثر حضورا في عصرنا الرومانسي الحالم فكانت محرضا للمخيلة عند أغلب شعراء جيلنا

وأعذب بشهد في رضاب حديثه

غدير سقى لحظا فسالت مناهله

لقد عشت مرحلة الشباب، وليس من رفيق لي، وأنا الوحيد لعائلتي سوى الكتاب فكانت مرحلة غنية بالقراءات، وعند انتقالي إلى دمشق لدراسة اللغة الإنكليزية في معاهدها، أصبحت وجهاً لوجه مع المجتع بكليته، كانت نقلة نوعية من عالم منغلق أشد الإنغلاق إلى عالم المدينة الأرحب، حيث الثقافات المتعددة والأجناس الثقافية المتنوعة، فكتبت في دمشق العديد من القصائد التي أخذت منحاً أكثر تطوراً، وفي دمشق تعرّفت إلى العديد من الأصدقاء، وأذكر منهم محمد خير الوادي سفير سورية الحالي في الصين، ومازالت تربطني به علاقة صداقة جيدة رغم المسافات الشاسعة بيننا وفي دمشق كتبت الشعر للمعرة:

زر للمعرة واشدو طيب ريّاها

واخشع بقلبك إن لاقيت أعماها

ذات القصور وما ظلّت أوابدها

أم العواصم يروي الفخر ذكراها

طبيعة المجتمع في معرة النعمان ربما كان له تأثير كبير على ضعف الحركة الفنية والابداعية، وانتشار ظاهرة التحريم لكل شيء موسيقا ورسم ونحت أثرت كثيراً على تطور هذه الحركة، وربما أثّر أيضاً على النفوس فالكل أصبح قانط قانع بحياة الدراويش حتى أصبح الفن شبّه مغيّب عدا عن عقد المرحلة العثمانية وتبعاتها التي نحملها في عقولنا الباطنة حتى اليوم ونحن نظن أنها من أفكار ديننا الحنيف الذي جاء أصلاً لمحاربة الكثير منها وللمعلم الذي ينير هذه العقول والذي حملت رسالته قلت:

قرطاسك النور فِكرٌ كم هديت به

جيلاً أضلّ وظلم الجهل أعماه

أشرع يراعك غني المجد في شمم

فالكل دونك أنت المجد ترقاه"

الشاعر الوحيد لأمه لم يترك أمه لحظة واحدة خاصة وأنها التي تكفلت بتربية أبنائي، وحين وفاتها ماتت الدنيا بأثرها:

يا كوثر العطف والأجيال تترعه

نخب الرعاية في جود وفي كرم

أنت الملاك رضاب العمر لؤلؤة

في مبسم الكون والإشراق في الظلم

وكأي شاعر كانت هموم الأمة العربية تشغلني، فكثيرة هي القصائد حين الاجتياح الصهيوني لبيروت /عام 1982م/:

بيروت صرعى وسائل عن فجيعتها

أشلاء طفل طريح الأرض مختضب

ابن البراءة والتسآل حيّره

لم يفهم الطفل للعدوان من سبب

أخيراً للشاعر محمد الفرا تسعة أبناء ويقول:"هم أكبر نجاح لي في هذه الحياة".