ـ بعشر ليرات تشتري عبلة وبخمس تشتري عزّة.

ـ الشارع بات مهتماً (بهزّي يانواعم) لم يعد للشعر ذلك التأثير الكبير، ولا حتى للأدب، هم أرادوه عصراً (للسوبر ستار).ـ لقد كان الشارع مسكوناً برائحة نزار ومظفر ومحمود درويش.ـ الشعر غائب، والشعراء غائبون، والمتلقي ..........

عبد الرحمن الإبراهيم هو ذلك الشاعر العابر من الوسط في الوطن، والقادم حتى الحدود، حاملاً ذاكرة شعر ملتهب، ورأساً أبيض من الثلج، مادّاً هديل حمائمه إلى أبعد مدى لعلَّ هناك من يقرأ أو من... يقاطعك نزقه المتسائل أبدأ عن الأمان، وليس في الدوائر المتشكلة من دخان تبغه ما يوحي بالإجابة.

"الشاي ثقيل، يا أستاذ (هيك أطيب)".

ويسكب بإصرار قائلاً: "للشاي طقس وللقهوة أيضاً...(يصمت).. ربما كانت كل مفردات حياتنا تحتاج إلى طقوس خاصة كي نخرج من رتابة العدم". لعبة الصحافة تداعبه قليلاً، وتجعله يظنُّ أن في هذا العالم من هي متشوقة لمعرفة المزيد عن شاعر مرهف، روحه زيت وكحل.

في منزله المجاور للقصر الذي لامست يوماً بلاطَه أقدامُ بيزنطية شقراء كانت (كما يقول) ترسل شعَرَها غيمة، وكثيراً ما ألهمته مفردات، وقصائد فيفتح ديوانه العاشر ليقرأ لي:

يلبِّسُ شعرُها الغيمات غيماً

وطقسُ جبينها بالكبر يوحي

تشكّل من هواجس ياسمينٍ

تفضٌّ قصيدتي دمَه ففوحي

بدمعك يصبح الطوفان أشهى

فكحلك زورقي ويداك نوحي

  • الكحل حاضر في كلِّ قصائدك فما سر هذا العشق؟
  • "الكحل مفردة تراثية لها علاقة بطفولتي فعملية دقِّ الكحل الحجري في البيوت الريفية القديمة وإعداد هذا المسحوق السحري لزينة العرائس ولأنني من هذه البيئة التي لها قيمها الأصيلة التي اندثركثير منها مع أناسها، فيجرفني الحنين إلى أشيائهم وخاصة الكحل الذي يرتبط بالأنثى ارتباطاً وثيقاً....(يصمت) كثيرة هي المفردات التراثية التي لها وقعها في النفس كالهال والقهوة والدلّة، والشعر الذي أكتبه لايتعلق بالزينة بقدر ما يتعلق بالأنثى الحلم، الكحل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكبرياء والعفاف، هذا بالنسبة لي على الأقل".

    *لماذا بوصلة الشعر عندك تتجه دائماً صوب الماضي؟

    "لأنَّ الحاضر يمتاز بالخواء وكلُّ ما فيه يغوص في اللامعنى أما الماضي فهو الدفىء".

    *لنخرج قليلاً من لعبة الزمن ولنتحدث عن الواقع الحالي للشعر فكيف تجده؟

    "الشعر غائب والشعراء غائبون والمتلقي......(يشير بيده ويغمز بعينه) الفجوة كبيرة وتتسع دائماً بينهما، وربما لم يعد للشعر جمهور، لأنَّ الشاعر الذي لايهزُّ المتلقي من أعماقه ليس بشاعر، هذا رأي خاطىء من جهة لكنه صحيح من جهة أخرى إذ هناك شعراء كبار لكن دلني على الجمهور، إنه يلهث خلف هزي يانواعم وسوبر ستار، فأبواب هذه الأسواق مزركشة مغرية أما أبواب الشعر فهي خشبية تأنُّ خلفها جرذان الشعر بصمت دون أن يسمعها أحد.باختصار عالم الخيانة لايقيم وزناً لأي مبدع فبعشر ليرات تشتري عبلة وبخمسٍ تشتري عزّة."