على مسرح دار الثقافة بالداوديات بمراكش قدمت مؤخرا فرقة مسرح دراما عرضا ممتعا لمسرحية النصف الآخر من تأليف مرهف حافظ دويدري من محافظة إدلب وإخراج المخرج الشاب السعيد شكور.

ننطلق من النص الذي يشكل الحامل الإبداعي للعرض، فإن كاتبه قد وفق في بنائه رغم أنه لا ينبني على حكاية كما هو متعارف عليها، بل على صراع بين شخصيتين متناقضتين، من خلال ثيمات متعددة كالهوية، الانتظار، التمسك بالتقاليد، الحرب ونتائجها المأساوية، والموت، وتنتهي المسرحية بمواصلة الصراع، كما بدأت لنتوصل إلى نتيجة أن الصراع بين الإنسان وأخيه قدر لا ينتهي. (عبدا لرحيم محلاوي).

ومرهف دويدري شاب مبدع يكتب القصة والمسرحية بالإضافة إلى أنه ممثل من طراز متميز له مجموعة قصصية بعنوان (ضجيج و أشباه صور) ومجموعة مسرحية مثل منها مسرحية (غودو هنا) و(نصف الآخر) في سورية والمغرب العربي. دفعه الطموح ذات يوم للانطلاق في عالم القصة والمسرح فقدم بداية مشروعا كان يعتقد أنه الأمثل والأجدى على صعيد الكتابة والإبداع. لكنه....

  • مرهف دويدري كتبت القصة والمسرحية ماذا أردت أن تقول؟
  • عندما كتبت القصة كان لدي هاجس أن أكون فاعلا في هذه الحياة وأن يكون لي موطىء قدم ضمن مفهوم هذه الحياة. أما عندما كتبت المسرح فكان يعني الحياة التي أحلم بها وكنت دائما أنبش شيئا من هذه الحياة وأقول هذا هو ما يجب أن نقوم بتغييره.

    * وبعد؟ ما الذي تغير؟

    لاشيء. لم يتغير أي شيء. شعرت أنه لاجدوى من كل ما كتبت ومن كل الأحلام التي حلمت بها حتى الآلام التي تألمتها ذهبت أدراج الرياح باختصار لا جدوى لماذا؟

    أولا: الأدب غير فاعل حقيقي في الحياة الاجتماعية فالاقتصاد هو السيد والحروب تشنها الدول على الدول من أجل الاقتصاد. والعلاقات الاجتماعية يحكمها الاقتصاد حتى ضمن الأسرة الواحدة الأخ الذي يملك المال يملك القرار، والكتاب لم يعد له أي تأثير طبعا لا علاقة لوسائل الإعلام والاتصالات فالاقتصاد ولقمة العيش تبعدنا عن أبنائنا وآبائنا.

    ثانيا: الأديب والأدب سلعة كأي سلعة في هذا العالم بقدر ما تجد أناسا يسوقون هذا الأدب وذاك الأديب بقدر ما تراه معروفا ومشهورا، ومن لا يسلط عليه الضوء لغايات معينة يموت وبداخله كلماته.

  • قبل لحظات كنت تقول إنك كتبت للمسرح من أجل تغيير الواقع فهل يعني أن الواقع تغلب على أحلامك وكسرها؟
  • ببساطة شديدة نعم أنا واضح تماما. المسرح هو مرآة الحياة وعندما كتبت المسرح كنت أحلم بهذا التغيير من أجل أن نكون أكثر سعادة أكثر أملا أكثر حياة، وخصوصا واقع المسرح في إدلب فهو سيء بكل ما تعني هذه الكلمة فليس لدينا مسرح، لدينا علاقات تسويقية لأشخاص معينين، لدينا محور خير ومحور شر أي إن لم تكن معنا فأنت ضدنا.

  • إذا كان هناك إشكالية في المسرح فما هي إشكالية القصة ولماذا توقفت عن كتابتها وأنت في بداية الطريق؟
  • ليس هناك فرق بين القصة والمسرح وإشكالية القصة أيضا كبيرة، ما معنى أن أكتب قصة وأضعها في الدرج، إن لم تكن مسوقا أو تكون من جماعة "فلان أو جماعة علان" فلن يكون لك مكان في هذه المحافظة ولا في أي مكان آخر ودعني أقولها بصراحة إن الأمسيات الثلاث الأخيرة في العام 2007 كانت ضمن علاقة شخصية. فهل أكتب من أجل العلاقات الشخصية؟ طبعا لا.

    قد يقول قائل وهل تكتب من أجل المنبر؟ فأقول وما حاجتي لأكتب من دون منبر ومن دون طباعة أعمالي وهذا هو الشق الثاني من المشكلة.

  • لقد حولت المشاريع الإبداعية والأحلام إلى أرقام ومعادلات وإشكالات مادية هل المادة كل شيء في حياة المبدع؟
  • نعم. نسبة عالية من أدباء هذا الوطن لو تتبعت تجاربهم الإبداعية لوجدت أن10% من إبداعاتهم تستحق القراءة و 90% من أجل النشر في الصحف والمجلات. تشيخوف بدأ حياته الإبداعية بكتابة قصص ومقالات لصحف ومجلات هزلية ساخرة من أجل أن يعيش حياة كريمة. وأنت تعرف أن الكاتب التشيكي "ياروسلاف هاتشيك" مات في بيته لأنه لم يستطع أن يأكل لأن المجلة لم تنشر له الزاوية. لذلك فالعمل الحر من أجل أن أعيش ربما أفضل على الأقل في الوقت الحالي من الإبداع بدون تنازلات.

    هل يفهم من هذا الكلام أنك توقفت عن الكتابة مع سبق الإصرار على الأقل في الوقت الحالي من أجل المادة؟

    نعم توقفت عن الكتابة ولكن ليس من أجل المادة ربما كانت جزءاً من المشكلة، ولكن الجو الثقافي العام لا يشجع على أن أكون الآن في الساحة ربما يقول البعض إنها مداورة ورمي الفشل على أكتاف الآخرين لو كنت أريد اجترار الذات كما يفعل البعض لكان لدي عشر مجموعات قصصية وأنا واثق من إمكانياتي ولكن أن تكتب قصة واحدة ذات فكرة مختلفة وأسلوب مختلف يحتاج إلى الكثير من الجهد و التفكير.

  • كيف تعتبر نفسك مختلفا عن الآخرين بمعنى ما هو الشيء الذي يميزك عن بقية الأدباء من أبناء جيلك المتواجدين على الساحة الأدبية؟
  • أرى أنني مختلف عن بقية الأدباء من خلال الرؤيا والأسلوب في الوصول إلى القارىء، فأنا أرفض مجموعة من الأساليب المتبعة في التعامل والوصول كالشللية.

  • قدمت إحدى مسرحياتك في المغرب العربي كيف حصل هذا الأمر؟ وماذا تقول في هذه التجربة؟
  • من سخريات القدر أن أشخاصا بعيدين عنك آلاف الأميال استطاعوا أن يتآلفوا مع فكرة النص الذي قدمته وكان بعنوان (نصف الآخر) حيث نشرت هذا العمل على موقع الكتروني بعد مدة من الزمن جاءتني رسالة الكترونية من أحد الأشخاص واسمه (السعيد شكور) وهو مخرج مسرحي من مراكش في المغرب العربي يريد أن نتناقش في النص ومفهومه فالمسرحية كتبتها من شخصين وضمن رؤية إخراجية استطاع أن يشطر الشخصية الواحدة إلى اثنتين ويقدم أربعة ممثلين على خشبة المسرح حيث قدمت المسرحية في مهرجان مراكش للمسرح الشبابي وفي مهرجان الهواة في الرباط.

    أما النص الثاني (غودو هنا) قدم طلاب النقد المسرحي في المعهد العالي في الرباط حلقة بحث تحليلية على أن يقوم أستاذهم بإخراجه ولكن لا أعرف أي خبر عن هذا الأمر.

  • إذاً عندما كتبت وتواصلت مع الآخر وصلت أفكارك إليه، هل مازلت مصرا على القطيعة؟
  • أعجبتني مقولة ليوسف شاهين في فيلم المصير عندما قال بما معناه: الأفكار لها أجنحة لا يستطيع أحد أن يمنعها من الطيران.

    أنا عندما استطاعت فكرتي أن تأثر في أشخاص من المغرب العربي كان نتيجة هذا التأثير عملا مسرحيا. ولكن أنا هنا. وفي هذا البلد . لماذا يصر ابن بلدي أن يضع أفكاري داخل القفص في النهاية أنا ابن بيئتي هل أستطيع أن أنسلخ عن هذه البيئة وهذا الوسط وهذا المجتمع؟ لذلك أرى أنه لا جدوى، والقطيعة هي الحل الأكثر ألما.