عندما تسمعه تعود بك الذكريات إلى الماضي البعيد، صوت فيه من قوة الجبل، ورقة السهل، وروعة المدينة، لم يغني إلا الطرب الأصيل، ويتمنى من القائمين على البرامج المدرسية أن يولوا اهتماماً جدياً لمقرر التربية الموسيقية.

إنه الفنان "بادر أبظلي" الذي التقاه موقع eSyria ليلقي الضوء على تجربته الغنائية وإن اقتصر معظمها على إعادة غناء ما غنّاه الآخرون.

التنوع الذي طرأ على نمط الأغاني المقدمة في هذه الدورة يعكس واقع حال الطرب في "إدلب"

ففي لمحة عن البيئة التي نشأ فيها، فقال: «ولدت ضمن عائلة تهوى الفن وتتقنه وتعلمه لكل وافد جديد إليها وأنا من المحظوظين الذين وجدوا أخاً أكبر يتقن العزف على آلة العود، وهذا من شأنه أن يحدد مدركاتي الموسيقية ويجعلني ضمن دائرة الاستماع لكل ما هو أصيل».

الفنان "بادر أبظلي"

ولأنه لمس في صوته الطبقة الجميلة قرر أن يذهب إلى عاصمة الغناء السوري "حلب" كان ذلك في ثمانينيات القرن العشرين، ويوضح قائلاً: «في الحقيقة قررت المغامرة والدخول في معترك الغناء دون توجيه من أحد، وأين؟ في "حلب" وأي مغامر هذا الذي سيقف يشدو بصوته في مدينة لا ترحم من لا يتقن مقاربة ذائقتها الفنية، فتدخل القدر إذ التقيت بالأستاذ "حسن بصّال" الذي علمني الألوان والقوالب الغنائية، وتعلمت منه الأوزان الغنائية وأعتبره أستاذي الأول فقد وضعني على الطريق الصحيح».

وفي إجابة حول الغناء في محافظة "إدلب" قال: «هناك شكوك حول وجود أغنية خاصة بمحافظة "إدلب"، أعتقد أن الكل مرتبط بـ"حلب"، البعض يعتقد بأننا رواد المحافظة في الغناء، وأنا أقول لسنا الرواد ولكننا ساهمنا في تعريف الناس بأن لدى "إدلب" أصواتاً جميلة، يوجد في منطقة "أرمناز" أصوات جميلة ولها تميزها من حيث طبيعة الأداء، ومثلها في "أريحا"، ومما ساعد على انتشارنا على مساحة المحافظة أننا كنا من ضمن الذين ساهموا في رفد المسرح القومي الذي أحدث في "إدلب" خاصة بما يخص الأدوار والموشحات».

يغني الأصيل من التراث

ويضيف: «قديماً كان هناك تحفظ كبير بشأن مزاولة الغناء في هذه المحافظة، لكن ومنذ سنوات قريبة تغير واقع الحال وباتت هذه المهنة تلقى الاحترام، وكثر روادها من أصوات على اختلاف حسنها وطريقة أدائها، أما بالنسبة لي فإنني أميل إلى الطرب الأصيل، وهذا ما يدفعني إلى الارتقاء في تقديم الأغنية الطربية الأصيلة، همّنا الارتقاء بتسويق هذا الفن بين الناس، وقد وجدنا الإقبال عليه بشكل كبير، وهذا ما يدفعنا باستمرار للتأكيد على تقديم الأصيل من الأغاني».

رغم كل هذه السنوات لم يستطع الفنان "بادر" أن يقدم نفسه من خلال أغانٍ خاصة به، فالمعوقات كثيرة لتحقيق مثل هذا الحلم، ويرى أنه قانع بما يقوم به في إرساء اللون الطربي لدى متابعيه وجمهور المحافظة، ويتابع: «ومع أنني لم أصدر أغنية تخصني وحدي إلا أنني أخذت على عاتقي أن نقول الذي لم يقل كثيراً في التراث والفلكلور، والعمل على تقديم كل جديد في هذا الصدد».

حضور متميز في مهرجان "إدلب"

ومن الأعمال ذات الصلة بنشر الأغنية في المحافظة، كانت له مشاركة مع الموسيقي "صفوان الكيلاني" حيث أسسا سوياً فرقة "مسايا للتراث الفني" في العام 2002، يقول: «قدمنا من خلالها عدداً من الحفلات في عدد من المناطق والمراكز الثقافية، ولنا مشاركات خارجية منها زيارتنا إلى تركيا في ذكرى العيد الوطني».

ويضيف: «كنت من ضمن فرقة المسرح القومي التي يديرها الفنان "صفوان الكيلاني" ومن خلالها قدمنا العديد من الحفلات بدءاً من سنة التأسيس عام 2006 وحتى يومنا هذا في العام 2010».

ويرى الفنان "أبظلي" أن مهرجان إدلب للفنون الشعبية في تطور مستمر وهذا في صالح واقع الأغنية الذي يتحرر شيئاً فشيئاً من التحفظات الكثيرة التي كانوا يعانون منها. ويضيف: «التنوع الذي طرأ على نمط الأغاني المقدمة في هذه الدورة يعكس واقع حال الطرب في "إدلب"».

ومن خلال ما سمعناه من أغانٍ بصوت "بادر أبظلي" اتضح أنه يهوى التنوع، ولكنه يرفض أن يوسم على أنه مطرب الأغنية الجبلية، ويقول في هذا الإطار: «لا أدعي أنني مطرب جبلي الهوى، ولكنني أؤدي هذا اللون بشكل جيد، كما أنني لا أشعر مطلقاً بالإحراج لو طلب مني تقديم الأغاني الدارجة، بل إنها وحدها التي تغنى في كثير من المناسبات الخاصة كالأعراس».

وتمنى "أبظلي" الاعتناء من قبل وزارة التربية بحصة الموسيقا في المدارس، فيقول: «الجيل المثقف موسيقياً سوف ينتج أغنية راقية، وهوية فنية فاعلة، ومن ليس له تراث ليس له مستقبل، فلنجعل من الموسيقا الصديق المرافق للجيل الشاب لأننا إن فعلنا ذلك سنبعدهم عن المنزلقات والمغريات التي تعمل على تذويبهم في بوتقة فارغة من كل شيء، وعملت من خلال هذه القناعة على أن يتعلم ولدي "عبد القادر" و"محمد" الموسيقا».

والجدير ذكره أن الفنان "بادر أبظلي" من مواليد العام 1962 قرية "الملند" الواقعة إلى الغرب من مدينة "إدلب".