صوت قادر قادم من مدينةٍ عرفت على مر التاريخ بأنها عاصمة للطرب والأصوات البديعة، صوت يعود بنا إلى أنغامٍ الطرب والأصالة، يمتلك حساً مرهفاً.. شجياً قوياً يخرج "الآه" من صميم القلب.

إنه الفنان الأستاذ "أحمد خيري" الذي خصّ موقع "eSyria" بلقاء حدثنا في بدايته عن نشأته قائلاً:

لا شك أن هنالك تقصير إعلامي بالنسبة للساحة الإعلامية العربية، فالناحية المادية في الإعلام الفضائي هي من يحكم أولاً. لكن إعلامنا (الرسمي منه والخاص) يسعى _إنما بخطى بطيئةٍ جداً_ لأن يحافظ على الموروث الفني الأصيل ولكن هذا السعي ليس بالمستوى المطلوب منه، فهذا التراث العريق سيتقلص في أذهان الناشئة إلى حد خطير. وبذلك فإن الملوم الأول هو الإعلام. إنما أملنا كبير جداً بالإعلام الإلكتروني الجديد نسبياً على الساحة الإعلامية العربية

«في الحقيقة بدأت موهبتي في مرحلةٍ مبكرةٍ من الطفولة، وبقيت هذه الموهبة مدفونة لم تر النور حتى سن التاسعة حيث غنيت أول مرةٍ على مسرح سوق الإنتاج في "حلب" عام /1974/ وقدمتني آنذاك الفنانة "فاتن حناوي" إذ قمت بغناء إحدى أغانيها، وكان ذلك بمثابة شرارة البدء في حياتي الفنية. وبعدها بعامين أي عام /1976/ تقدمت لبرنامج "مواهب" على إذاعة دمشق ونجحت فيه. وفي تلك المرحلة كنت مستمعاً نهماً لقراءات الشيخ "عبد الباسط عبد الصمد". وعاشقاً ولهاً لفن الفنان العراقي الكبير "ناظم الغزالي"».

مع أسرته في نزهة عائلية

ولدى سؤاله عن دراسته وأساتذته أجاب "خيري": «بقي هاجس الفن يؤرقني إلى أن تحقق حلمي ودرست في معهد إعداد المدرسين بحلب (قسم التربية الموسيقية)، واستقيت المعرفة من ينابيعها على أيدي الأساتذة الكبار: "نوري اسكندر" و"عاطف خياطة" و"محمد قدري دلال" هؤلاء الذين سأبقى مديناً لهم بكل شيءٍ حققته في مسيرتي. وبالتزامن مع ذلك كنت أتمرن في "نادي شباب العروبة" حيث كان من أبرز الأساتذة آنذاك الأستاذ "نديم الدرويش" والأستاذ "عبد القادر حجار" والأستاذ "أنترانيك كيركسيان" والأستاذ "بهجت حسان". أنهيت السنة الأولى من المعهد في "حلب" وانتقلت بعدها إلى "دمشق" لدراسة السنة الثانية وذلك بسبب اشتراكي ببرنامج "طريق النجوم" عام /1989/ حيث تتلمذت في معهد دمشق على أيدي الأساتذة "فايز قبش"، والمرحوم "محمد عتمة"، والخبير "مؤيد الخالدي" حيث كان لهم الفضل عليّ أيضاً. وتخرجت في المعهد عام/1990/».

وعن مشاركته في برنامج "طريق النجوم" أضاف قائلاً: «تم الإعلان عن مسابقة التقدم للبرنامج في النسخة الأولى منه عام /1989/، فتقدمت ونجحت في اختبار القبول وكان الأستاذ الكبير "نجيب السراج" والأستاذ "سمير حلمي" من أشد المشجعين لي في تلك الفترة بعدما اكتشفوا خامة صوتي. وبحمد الله نجحت في البرنامج وحزت المركز الأول.

ضمن حفلة في كندا

وبعد التخرج من المعهد عملت في التدريس لفترةٍ قصيرة بناء على شهادة المعهد.

وتم تعيين الأوائل على البرنامج كموظفين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون (دائرة الموسيقا). في هذه المرحلة طغى الاتجاه الفني على حياتي وأصبحت على احتكاكٍ مباشر مع أهل الفن. فعملت مردداً في فرقة الأستاذ الكبير "صباح فخري". قبل الانتقال إلى لبنان والاستقرار فيها مدة تجاوزت السبع سنوات، إذ شاءت الأقدار أن تكون انطلاقتي كمطرب من هناك».

مع الفنان صباح فخري في منزله

يغني "أحمد خيري" اللون الطربي المعروف في مدينة "حلب" والذي عماده الموشحات والقصائد والأدوار والقدود الحلبية، فعلى هذه الأنماط تشكلت لديه الذائقة الموسيقية منذ الصغر: «لقد ترعرعت على ألحان الشيخ "بكري كردي" والكبير "أحمد الفقش" رحمهما الله. وتنشقت نسائم النغم الجميل الراقي من الفنانين "كارم محمود" و"عبد الحليم حافظ" و"أم كلثوم". فكل واحد من هؤلاء العمالقة هو مدرسة بحد ذاته. وفي عصرنا الحالي يوجد أيضاً من حافظ على هذا النهج نسبياً- مع مراعاة التطور الذي يشهده العالم- فعلى سبيل المثال لا الحصر: الأستاذ القدير "وديع الصافي" والأستاذ الموسيقار "ملحم بركات" والفنان "كاظم الساهر".

باختصار أنا أميل لكل فنٍ يحترم الذوق العام ويقدس النغم».

يرى "خيري" أن السبب الكامن وراء مكانة مدينة "حلب" كمعقل للطرب الأصيل أنها مدينة العشرة آلاف موشح، ويضيف: «"حلب" مشهورة منذ القدم بالزوايا والتكايا الصوفية التي كانت تدرس التجويد وعلم مخارج الحروف وهذا ما صقل مسامع الناس قديماً، واستمر هذا التأثير حتى يومنا هذا، إضافة إلى ما يسمى في "حلب" بـ "التلبيسة" ويقصد بها حفلة العرس وهي تعتمد بشكل رئيسي على الفنان المغني، وتبدأ بالموشحات فالدور فالقصيدة ثم القدود والطقطوقة، وتجد فيها ما يسمى عندنا "السميعة" وغالباً ما يكونون من كبار السن الذين نشؤوا على عبق الأنغام الطروبة الصحيحة علمياً، فتراهم يضربون بأكفهم أثناء غناء المطرب حتى يقيّموا مدى التزامه بوزن الموشح الذي يغنيه وكلهم آذان صاغية وبدقةٍ حتى إذا أخطأ المطرب في اللحن أي (نشّز) فترى بعض المتشددين في الطرب قديماً يطردونه من السهرة، وهذا ما دعا للقول بأن من لا ينجح في سهرات الأعراس الحلبية لن ينجح أبداً. ومن جهةٍ أخرى فإن الموقع الجغرافي لمدينة "حلب" وقربها من "تركيا" - وهي المعروفة أيضا بأنها بلد التقنيات في العزف الشرقي- جعل هذه المدينة ممراً للقوافل التجارية قديماً وبالتالي مركزاً للتبادل الثقافي والفني والاجتماعي مع الثقافات الأخرى».

وفي حديثه عن الدور الذي يلعبه الإعلام في نشر رسالة الطرب الأصيل بين الأجيال الجديدة، يقول: «لا شك أن هنالك تقصير إعلامي بالنسبة للساحة الإعلامية العربية، فالناحية المادية في الإعلام الفضائي هي من يحكم أولاً. لكن إعلامنا (الرسمي منه والخاص) يسعى إنما بخطى بطيئةٍ جداً لأن يحافظ على الموروث الفني الأصيل ولكن هذا السعي ليس بالمستوى المطلوب منه، فهذا التراث العريق سيتقلص في أذهان الناشئة إلى حد خطير. وبذلك فإن الملوم الأول هو الإعلام. إنما أملنا كبير جداً بالإعلام الإلكتروني الجديد نسبياً على الساحة الإعلامية العربية».

شارك الفنان "أحمد خيري" في مهرجان الأغنية السورية والعديد من المهرجانات كمهرجان "صور" السنوي ومهرجان "طرابلس"، وعلى المستوى العربي شارك في مهرجان "جرش" مع القدير المرحوم "صبري مدلل"، وأيضاً في مهرجان القاهرة على مسرح دار الأوبرا مع الأستاذ "محمد قصاص" في فرقة "شيوخ الطرب"، كما شارك في مهرجان "الحمامات" في تونس وشكل ثنائياً مع الفنان التونسي القدير "نور الدين الباجي" في الغناء الصوفي حيث ابتدعا مزيجاً من المولوية السورية والمدائح التونسية.

أما على الصعيد العالمي فكان له أيضاً مشاركات عدة، ففي ألمانيا كان له حفلتان بدعوةٍ من الرابطة الثقافية السورية في كل من مدينتي "برلين" و"درسدن"، وفي سويسرا شارك في مهرجان الزهور في "جنيف" ست مرات. أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية كان له أربع مشاركاتٍ منها منفردة ومنها مع فرقة "سلاطين الطرب" في ولايتي "ديترويت" و"لوس أنجلوس".

كما تم تكريمه في مهرجان الأغنية السورية وفي نقابة الفنانين أكثر من مرة وأيضاً في سوق الإنتاج كان آخرها في عيده الخمسين (اليوبيل الذهبي) وفي جمعية العاديات بحلب. إضافة للتكريم الخارجي إذ تم مؤخراً تكريمه ومنحه درعاً في ولاية "نيوجرسي" الأميركية من قبل اللجنة العربية الأميركية هناك. كما كان له هذا العام إطلالة في برنامج "من أمريكا" الذي يبث على شبكة "ART" العربية. وشارك مؤخراً في افتتاح مهرجان "ليالي حلب" الأول.

الجدير بالذكر أن الأستاذ "أحمد خيري" من مواليد 10/1/1966 في قرية "أبو الظهور" القريبة من مدينة "حلب" والتابعة إدارياً لمدينة "إدلب". وهو عازف عودٍ وعضو في نقابة الفنانين منذ عام /1999/.

مقيم بشكل دائم في مدينة "حلب"، متزوج وأب لأربعة أطفال: الشاب الوحيد "براء" في الصف العاشر

و"شيماء" و "آلاء" في المرحلة الابتدائية وأصغرهم "بشرى" وعمرها سنتان.