يشكل الدكتور "أحمد أبو راس" نقطة مضيئة في مجال البحث العلمي الاجتماعي في محافظة "إدلب"، فقد دفعته الظروف الاجتماعية التي كانت تحيط به ويحس بها إلى اختيار اختصاص لم يكن يتمتع بأي قبول في قريته الصغيرة آنذاك، فدرس علم الاجتماع وأصرّ على التعمق في هذا العلم حتى الوصول إلى إجابات شافية عن التساؤلات التي طالما دارت في ذهنه عن أسباب ودوافع السلوكيات الاجتماعية التي كان يلاحظها.

له العديد من الأبحاث الاجتماعية المنشورة في أكثر من مجلة، كمجلة "المعرفة" الصادرة عن وزارة الثقافة، ومجلة البحوث المحكّمة التي تصدرها جامعة "حلب"، ومجلة الشؤون الاجتماعية في "الشارقة"، وعدة مؤلفات في مجال علم اجتماع التنمية، وهو ضيف دائم على مختلف وسائل الإعلام، يتحدث عن قضايا المجتمع والبحث الاجتماعي على تنوعها.

أنا مع أتمتة بعض المقررات وليس كلها، لأنه لا يعقل أتمتة المقررات التي ترتبط بالتعبير الكتابي أو الإيضاحي عند الطالب، ومن غير المعقول أن يتخرج الطالب من كليته ولم يخط ولا كلمة واحدة أثناء دراسته

الدكتور والباحث والأستاذ الجامعي "أحمد أبو راس" استقبل موقع eIdleb في مكتبه في كلية الآداب الثانية في "إدلب" وكان هذا الحوار:

الدكتور أحمد أبو راس

  • ما الذي جعلك تصر على دراسة اختصاص كان يعتبر من الاختصاصات غير المرغوب بها من قبل البيئة المحيطة بك آنذاك؟
  • ** «اختصاص علم الاجتماع هو اختصاص راق جداً ويتناول قضايا اجتماعية موجودة في المجتمع سواء كانت قضايا سليمة أو قضايا معتلة وتسليط الضوء على القضايا المعتلة هو في الحقيقة واجب علمي أمام الباحثين في علم الاجتماع من أجل دراسة تلك الظواهر والوقوف على الأسباب التي أدت إلى اعتلالها والعمل على الخروج بجملة من المقترحات والتوصيات وتقديمها إلى الجهات المختصة، وتعزيز الوجوه الايجابية والمشرقة في الظواهر السليمة، هذه الظروف التي يعيشها مجتمعنا بكل ظواهرها السلبية والإيجابية ولدت في داخلي فضولاً كبيراً لدراستها بشكل علمي ومن الواجب الإنساني أن يكون هناك باحثون ومختصون في دراسة السلوك البشري وتنميط السلوك البشري من أجل تحليل الضوابط الاجتماعية وهذا أمر يخفف ما أمكن من حصول الانحرافات والجرائم ومشاكل المشادات الاجتماعية والتي تقف عائقاً أمام تطور المجتمع».

    مع الدكتور محمد قنطار

  • وماذا عن أبحاثك في هذا المجال؟
  • ** «في بداية مشواري العلمي نشرت أبحاثاً تتعلق بمكانة الدراسات الديموغرافية عند ابن خلدون ونشرت في مجلة المعرفة التي تصدرها وزارة الثقافة ثم تناولت الأسباب الدافعة للزواج المبكر ونـُشرت أيضاً في مجلة المعرفة، وهناك بحث آخر بعنوان الشباب العربي والتحديات منشور في مجلة الشؤون الاجتماعية في "الشارقة"، وبحث بعنوان الخلفية التاريخية للزواج المبكر في سورية وأسباب هذه الظاهرة، وأبحاث منشورة في مجلة البحوث في جامعة "حلب" بعنوان "الباحث الاجتماعي ورحلته في البحث العلمي" وبحث آخر بعنوان "محددات التنمية في الوطن العربي"، وبحث آخر بعنوان: "آفاق التنمية في الوطن العربي وحدودها" وبحث بعنوان: "أثر النمو السكاني في العملية التعليمية في سورية"، له كتاب بعنوان "علم اجتماع التنمية" وكتاب آخر بعنوان "المدخل إلى علم الاجتماع" وهنالك كتاب آخر قيد الإنجاز بعنوان "التركيبة السكانية في سورية" وفي جعبتي جملة من المؤلفات البحثية فيما يتعلق بعملية التخطيط الاجتماعي».

  • وكيف تقيم حركة البحث العلمي في جامعاتنا؟
  • ** «ما يثير التفاؤل أن وزارة التعليم اتجهت مؤخراً نحو تعميق البحث العلمي، والتركيز عليه فهنالك مكافآت تشجيعية للباحثين، كذلك هناك محطات لمعالجة البحث العلمي عبر مجلس القسم والكلية والجامعة، وكانت معظم الأبحاث مميزة وتركز على قضايا تنموية مستجدة في الوقت المعاصر في مختلف المجالات».

  • ما رأيك بأتمتة امتحان المواد الجامعية؟
  • ** «أنا مع أتمتة بعض المقررات وليس كلها، لأنه لا يعقل أتمتة المقررات التي ترتبط بالتعبير الكتابي أو الإيضاحي عند الطالب، ومن غير المعقول أن يتخرج الطالب من كليته ولم يخط ولا كلمة واحدة أثناء دراسته».

  • كيف نجعل من طالبنا الجامعي محباً لأستاذه؟
  • ** «الطالب كما هو معروف يتأثر بأستاذه وبطريقة عرضه للمادة العلمية، فالأستاذ يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية، وعندما يكون متمكناً تربوياً وأدبياً وعلمياً هذا الأمر ينعكس إيجاباً على الطالب، أما حدوث العكس فيتسبب بفجوة كبيرة بين الطالب والأستاذ، من جهة أخرى تتعلق بعرض المادة العلمية، فأنا ميّال لعرض المادة العلمية من خلال الوسائل التقنية المعاصرة كاستعمال برامج العروض التقديمية، بحيث نبتعد قدر الإمكان عن أساليب التلقين التي تشعر الطالب بالملل والرتابة، وهما سببان قاتلان للإبداع، فعندما تعرض المادة العلمية المحضّرة بشكل جيد بطريقة علمية، أعتقد بأن الطالب سيستفيد ويعتبر هذا الأستاذ هو النموذج الذي يحتذى به، ولعلني بذلك أنقل تجربتي عندما كنت طالباً في الجامعة، حيث ما زلت حتى اليوم معجباً بأسلوب أساتذتي الدكتور "عبد الكريم اليافي" والدكتور "عدنان مسلم"».

  • ما أبرز معوقات البحث الاجتماعي في مجتمعنا؟
  • ** «لعل تجربة البحث العلمي في "سورية" ما زالت في بداية المشوار، ولعل البحث الاجتماعي ربما لم يتم تسويقه إعلامياً، فالبعض ينظر إلى البحث الاجتماعي كواحد من القضايا المحرّمة، فعندما تبحث في ظاهرة الزواج المبكر أو تعدد الزوجات يعتبر البعض بأنك تدخلت في قضايا تعتبر من الخصوصيات، لذلك لا بد من التسويق الإعلامي للبحث الاجتماعي بهدف إقناع الناس بأهميته لكونه يسلط الضوء على بعض السلوكيات السلبية في المجتمع، وهذه أول خطوة نحو تفادي الأخطاء وترشيد السلوك».

  • بماذا تحب أن تختم هذا الحوار؟
  • ** «أريد أن أقول بأن مشوار متابعة البحث مازال قائماً، ولعل هذه القضية تشكل الهاجس الأساسي والمطلب الرئيسي في حياتي، لأنني أعتبر الواجب العلمي فوق أي اعتبار آخر، وقد وضعت هدفاً رئيسياً في حياتي هو أن أساهم في إضافة شيء ما إلى نظرية المعرفة، لا سيما في قضايا التنمية وقضايا التخطيط وأخص بالذكر هنا تنمية الموارد البشرية».

    الدكتور "محمد قنطار" رئيس قسم الآثار في كلية الآداب الثانية في "إدلب"، أحب أن يعطي شهادة بالدكتور "أحمد أبو راس" فقال: «الدكتور أحمد صديق منذ 15 عاماً ومن الأساتذة المتميزين الذي صادفتهم في حياتي، يتميز بعلاقته الودية جداً مع طلابه، يهمه كثيراً خدمة الطالب وتشجيعه وتحفيزه، ويبذل في ذلك جهداً كبيراً، يعشق البحث العلمي بشكل غريب، لا يكل ولا يمل في سبيله، وكثيراً ما يردد بأنه سخر حياته في خدمة البحث الاجتماعي».

    يشار إلى أن الدكتور "أحمد أبو راس" من مواليد عام 1970 في بلدة "الهبيط" الواقعة على بعد عشرة كيلو مترات غرب مدينة "خان شيخون"، درس الإعدادية في مدينة "خان شيخون" ثم التحق بكلية الآداب قسم علم الاجتماع في جامعة "دمشق" في عام 1991 وتخرج في عام 1994 بمعدل امتياز وكان ترتيبه الثاني على دفعته، وفي عام 1995 بدأت مسيرته مع الدراسات العليا حيث حصل على الماجستير في عام 1998 برسالة بعنوان "الزواج المبكر وأثره على الحياة الزوجية"، ومن ثم على رسالة الدكتوراه في علم اجتماع التنمية حول اتجاهات الشباب في "سورية" نحو العمل والتعلم وكان ذلك في عام 2001، تابع العمل التعليمي في جامعة "حلب" كعضو في الهيئة التدريسية في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، وما يزال يدرس معظم المقررات التي لها علاقة باختصاصه، ثم تبوأ موقعاً إدارياً في كلية الآداب الثانية في "إدلب" كنائب لعميد كلية الآداب للشؤون العلمية والشؤون الإدارية في العام الدراسي 2006/2007، ويشغل حالياً منصب نائب العميد للشؤون العلمية في كلية الآداب الثانية، إضافة إلى أنه مدرس في كلية الآداب في جامعة "حلب" لمقرري التنمية والتخطيط في الوطن العربي، وعلم اجتماع التنمية، وأستاذ زائر في كلية التربية في جامعة "البعث"، له مشاركات في مركز الإعداد والتدريب في مركز محافظة "إدلب" للإعداد والتدريب كمدرب في القضايا التربوية الإدارية في مهارات التواصل، ومشاركات أخرى في المراكز الثقافية، عمل باحثاً في مجال التنمية في مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في منطقة "السفيرة" و"سمعان".