منذ نعومة أظفاره تولد في داخله حب جارف للجيش، ورغبة عارمة للعمل في المجال العسكري، ورغم حصوله على منحة داخلية لدراسة الأدب الإنكليزي في جامعة "دمشق"، فقد فضّل ترك الجامعة بعد ثلاثة أشهر من الدراسة، والالتحاق بالكلية الحربية في مدينة "حمص" وبعد التخرج أمضى أربعين عاماً في العمل العسكري، انتقل خلالها من نجاح إلى آخر، شاغلاً عدّة مناصب عسكرية.

وسئل ذات مرة عن سبب نجاحه فأجاب: «إنني أهوى العمل في هذا الجانب ولا أهتم براتب أو بمنصب»، ويعتبر اختياره من قبل القائد الخالد حافظ الأسد لإدارة الكلية العسكرية للبنات وسام شرف كلل مسيرته العسكرية، وقبل ذلك هو سليل عائلة توارثت الجاه والقضاء العرفي أباً عن جد، فجده القاضي العشائري المعروف "أحمد المر" المتوفى بدايات القرن الماضي، ووالده العارفة المتقد الذكاء "علي المر"، وهو اليوم يرث تركة آبائه وأجداده باختياره شيخاً وقاضياً لعشيرته "الدواونة".

إنني أهوى العمل في هذا الجانب ولا أهتم براتب أو بمنصب

ضيفنا في السطور التالية القاضي والشيخ والعميد الركن المتقاعد "عبد الرزاق علي المر"، الذي استضاف موقع eIdleb في منزله في قريته "أم جلال"، الواقعة على بعد خمسة وثلاثين كيلومتراً جنوب شرق مدينة "معرة النعمان".

يصافح الرئيس الخالد حافظ الأسد

يقول "المر": «ترافقت ولادتي مع إشراقة فجر الاستقلال عام 1946، حيث ولدت ونشأت في أسرة عشائرية، تمتاز بجو قضائي عرفي ووجاهة، درست الابتدائية في مدرسة العشائر الداخلية في "معرة النعمان"، وكان مقرها مبنى المتحف حالياً، وأتذكر من أساتذتي في تلك المرحلة "عبد القادر عفيسي" و"راجي نحاس" و"عبد المحيط درويش"، وهم من "معرة النعمان"، وكان مدير المدرسة "حمزة شراق" من "أريحا"، ثم انتقلت في عام 1958 إلى "حلب" لدارسة الإعدادية في ثانوية "المعري" في "الحميدية"، ودرست الثانوية في مدرسة "ابن رشد" في محافظة "حماة"، حيث أنهيت المرحلة بتفوق، وقبلت منحة داخلية لدراسة الأدب الإنكليزي في جامعة "دمشق"، وبعد دراسة أربعة أشهر جاء قبولي في الكلية الحربية، وكان ذلك بمثابة الحلم الذي تحقق بأن أدخل المعترك العسكري الذي طالما حلمت بالعمل فيه، فالتحقت مباشرة بالكلية في عام 1965، حيث تخرجت في الكلية بتفوق ونلت الترتيب الخامس على الدورة، وقضيت أربعين عاماً في العمل، أعتبرها أجمل أيام حياتي، وعندما أحلت إلى التقاعد، وبعد وفاة أخي "محمد" الذي خلف والدي "علي"، أصرّت العائلة والعشيرة على اختياري شيخاً وقاضياً لها».

وعن عشيرته "الدواونة" وعلاقتها بقبيلة "الموالي" يقول "أبو وائل": «تتمركز عشيرة "الدواونة" في منطقة "معرة النعمان"، في قرية "أم جلال" والقرى والمزارع القريبة منها، وهناك قسم من أفراد العشيرة موجود في محافظات "حماة" و"حلب" و"الرقة" وفي "غوطة دمشق"، يتجاوز عدد أفرادها خمسة آلاف نسمة، وجد عشيرتنا هو الحاج "علي العقيلي"، الذي ينحدر من قبيلة "شمر" في شبه الجزيرة العربية، هاجر منذ أربعمئة عام من "نجد" إلى "العراق" ثم "الحسكة"، واستقر في "معرة النعمان" منذ حوالي ثلاثمئة وخمسين سنة، وفي كتاب عشائر العراق لـ"عباس العزاوي" ورد أنّ عشيرة الدووانة ترجع في أصولها إلى "علي عقيل الشمّري" الذي ينتمي إلى عشيرة فداغة وهي فرع من سنجارة في العراق وتقسم عشيرة الدووانة إلى قسمين قسم في العراق في مدينة اليوسفية وقسم في سورية، وفي فترة ضعف الدولة العثمانية، اعتمدت على العشائر في تنفيد المهام الأمنية، فشكلوا في سورية قبيلة "الموالي"، وهي عبارة عن اثنتين وثلاثين عشيرة من بينها عشيرة "الدواونة"، وتحالفت هذه العشائر مع بعضها بعضاً لتحمي طريق الحج من "الرها" وحتى "الرمثا"، وحماية المعمورة من خطر غزوات البدو، الذين كانوا يغزون المنطقة في أيام القحط والجفاف، وكانت كل عشيرة من قبيلة "الموالي" تخاوي عدّة قرى، أي تحميها من الغزو مقابل جزء من محصول قرية الزراعي، فكانت مهمة عشيرة "الدواونة" حماية قرى "شيزر" و"معرشورين" و"الغدفة"، و"آل المر" هم شيوخ هذه العشيرة أباً عن جد، وقد ذكر المستشرق الألماني "أوبنهايم" أنّ رئيس "الدواونة" وشيخها في العام 1899 هو الشيخ "أحمد المر" وهو جدي حيث كان قاضياً معروفاً، وبعده تولى الرئاسة ابنه "علي" وهو والدي، كما ورد في كتاب "قبائل بادية حلب وحماة" لمؤلفه "تركي فرحان المصطفى"».

الشيخ عبد الرزاق المر في مضافته محكما في إحدى القضايا

وعن عمله كقاض ومحكم يقول: «حلولي ترتكز قدر الإمكان على الشريعة الإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد القانونية والعرف، لكني أبتعد قدر المستطاع عن الحلول العرفية الظالمة، وعلى الرغم من أن القضاة الآخرين يتقاضون أجراً مقابل المصروف، فأنا لا أتقاضى أي أجر مقابل التحكيم في أي قضية، ولا أريد مقابل تعبي وتعب أولادي والمصاريف التي أتحملها إلا الدعاء بالتوفيق لي ولأولادي وأهلي، ومن المشاكل التي ساهمت في حلها قضايا قتل وخطف وسرقات، ومشاكل بين عشيرتنا وعشيرة "الدولي" وبيننا وبين "المشارفة"، وحللت قضايا بين عشيرتي "الحرب" و"العكيدات" في الغوطة، وفي "الجولان" بين عشائر "البحّاتة" و"الهوادجة"، وحالياً أعمل لحل قضية قتل في "سفوهن"، وأساهم مع الجهات الأمنية المختصة في حل قضية "احسم"، ونظراً لظروف تنقل إقامتي بين "دمشق" و"أم جَلال" يحل شقيقي "حسين" محلي في أوقات غيابي، لحل القضايا التي يطلب منا التدخل لحلها».

سألناه عن سبب تسمية العائلة "المر" فأجاب: «نسبة للقهوة المرة والشجاعة، فقد كان أحد أجدادي القدامى واسمه "محمد المر" رجلاً شجاعاً ومضيافاً، يدق القهوة المرة ويحضرها للضيوف، وقد كانت القهوة في ذلك الوقت نادرة في المنطقة، فكان الناس يجتمعون في مضاربه، ويشربون القهوة المرة، فيقولون: مرمرنا عند محمد فسمي "محمد المر"».

وثيفة أختياره شيخا من قبل أفخاذ عشيرة الدواونة

نشير أخيراً أنّ للشيخ "عبد الرزاق المر" ستة شبان هم: "وائل" و"أيمن" ضابطان في الجيش، و"أمجد" إجازة في الإعلام، و"مؤيد" سنة ثالثة إعلام، و"المأمون" سنة رابعة حقوق، و"الأمين" سنة ثالثة حقوق.