صوت عذب دائماً ما يتناهى إلى الأسماع عند كل صلاة، ووجه مألوف استطاع إثبات وجوده في ميدان التعلم والاجتهاد رغم الإعاقة البصرية، إنهما صوت ووجه "عمر الخشان" وهو مؤذن في مسجد "أويس القرني" بـ "المعرة"، حين التقاه موقع eIdleb لم يكن يتوقع أنه سيصل إلى ذلك المستوى من الاهتمام، فأبدى اعتزازاً وافتخاراً بنفسه وبالعزيمة والمثابرة التي يتحلى بها قائلاً:

«عندما أقول أني أريد شيئاً ما أحققه، فعندما أصررت على تلقي العلم والدراسة، واجهت الكثيرين ممن حاولوا تثبيط همتي، وواجهت العديد من الصعوبات في طريق ذلك المبتغى، لكن في النهاية أحمد الله أني استطعت إغلاق باب الجهل و الخروج من أميتي، وأفتخر أني صرت أمتلك علم و ثقافة يُحسد عليها أي شخص عادي، ويوم تزوجت أيضاً لم أكن أملك من المتاع إلا القليل، لكن حين أردت اقتناء ما يلزمني تفوقت على أخوتي في ذلك، وحصلت على أثاث المنزل المطلوب وكل ما أحتاجه من متطلبات الحياة الزوجية».

عندما أقول أني أريد شيئاً ما أحققه، فعندما أصررت على تلقي العلم والدراسة، واجهت الكثيرين ممن حاولوا تثبيط همتي، وواجهت العديد من الصعوبات في طريق ذلك المبتغى، لكن في النهاية أحمد الله أني استطعت إغلاق باب الجهل و الخروج من أميتي، وأفتخر أني صرت أمتلك علم و ثقافة يُحسد عليها أي شخص عادي، ويوم تزوجت أيضاً لم أكن أملك من المتاع إلا القليل، لكن حين أردت اقتناء ما يلزمني تفوقت على أخوتي في ذلك، وحصلت على أثاث المنزل المطلوب وكل ما أحتاجه من متطلبات الحياة الزوجية

"عمر" الشاب الوحيد المكفوف في عائلته آل "خشان"، وترتيبه الخامس من أصل /5/ أخوة، وكان لهذه العائلة التي يتنتمي إليها أثر في حياته تحدث عنه قائلاً: «في صغر سني منعني والدي من الذهاب إلى المدرسة أو الخروج كثيراً من المنزل بسبب خوفه علي، وحين كبرت قليلاً أدخلني أحد أقربائي حياة المساجد، وتقربت من إمام المسجد، وبعد أن اكتشف جمال صوتي قرر إعطائي مفاتيح غرفة الآذان، وهنا بدأت عملي كمؤذن في سن /14/ ولقيت من والديَ التشجيع والاهتمام بذلك، بعد ذلك بدأ يتضح لدي الاهتمام بالعلم الديني، وأحببت سماع الدروس والخطب، رغم شعوري بالألم والغصة لعدم قدرتي على القراءة، وفتح المصحف كما يفعل بقية الناس، وبسبب أني أمتلك ذهناً صافياً للحفظ السريع، أذكر أني حضرت حفلاً فخرجت منه وأنا أحفظ كل ما أُنشد فيه، إلا أن شعوراً ما كان يراودني بأن شيئاً ينقصني، وهو القدرة على التعلم وتحصيل العلم».

عمر على جهاز الحاسوب

ولكن كيف استطاع "عمر" كسر الحاجز الذي يحول بينه وبين التعليم؟ عن ذلك أضاف: «أُرجع الفضل الحقيقي في حصولي على العلم أولاً لله وثانياً للشيخ "حسان شيخ نجيب" وهو مكفوف مثلي من قرية "حاس"، فكان له دور كبير في تعريفي على لغة المكفوفين "برايل"، وتعليمي إياها في فترة وجيزة، وحين كنت اُحس باليأس فكان المشجع والمحفز الوحيد لي. أول الطريق دائماً يكون صعباً، والمجتمع الذي أنا فيه لا يُشجع أبداً لنيل رغبتي، خاصةً أني مُتزوج ولدي أولاد بحاجة إلى رعاية، وحين قررت الدراسة لم يقف أحد إلى جانبي وقالوا لي (لا قدرة لك على ذلك، وليس وقت ذلك)، وقليلون من وقفوا إلى جانبي وقاموا بتشجيعي، وكان المفتاح هو أستاذي "حسان" الذي علمني لغة "برايل" وجهد حتى أستطيع التسجيل في مدرسة محو الأمية بـ "إدلب"، وفي الدراسة كنت أعتمد على كتابة وقراءة "برايل"، والانتقال بعد ذلك إلى الحاسوب لسماع المنهج الصوتي الذي قدمته جمعية "مابكو" للمكفوفين، ويتضمن جميع الكتب مع أسئلة الدروس، وأيضاً أعتمد على جهاز الـ "إم بي فور" في تسجيل وسماع الدروس، وسواء في جهاز الحاسوب أو "الموبايل"، لدي برنامج "الناطق" وهو مصمم خصياً لتسهيل تعامل المكفوف مع التقنية من خلال نطق كل ما يقع عليه المؤشر أو لوحة المفاتيح.

وأشكر من قلبي السيدة " أسماء الأسد" لأنها أوصت لكل مكفوف بموظف يكتب عنه في الإمتحان، وقبل ذلك كُنت أرفض في التسجيل لعدم قدرة المدرسة على تأمين شخص يكتب عني، وفعلاً تم لي ما أردت وتجاوزت مرحلة التعليم الابتدائي العام الماضي، وتقدمت لامتحان شهادة التعليم الأساسي هذا العام /2009/م، وأنا متفائل بنجاحٍ باهر أرغب فيه بالتقدم لامتحان الشهادة الثانوية العام المقبل/2010/، وأمتلك طموحاً لدراسة الشريعة أو اللغة العربية».

أطفال عمر مع والدهم

وعن الخصوصية التي يتميز بها مكفوف البصر قال "عمر" أيضاً: «لدى كل كفيف بصر ذاكرة تمكنه من تمييز وحفظ كل شيء بشكلٍ سريع وقوي، فالمبصر كثيراً ما يعتمد على حاسة البصر وحدها، أما نحن فنتبع كل الحواس ولدينا قدرة كبيرة على الحفظ والتلقي تجعل الذاكرة دائماً نشيطة، ففي الدراسة أستطيع تلقي المعلومات خلال ساعاتٍ قليلة ودون عناء، وخلال المشي أصل وحدي إلى أي مكان دون مساعدة، لأني أضع علاماتٍ حسية تدل على أي مكان، وأخيراً أنصح كل مكفوف بتعلم لغة "برايل" لأنها الطريق التي تُوصله إلى العلم، وأن يسابق أي بصير في سبيل ذلك، وألا يُظهر أنه بحاجة أحد».

يقتني "عمر" مصحف خاص بكتابة المكفوفين "برايل" ويحفظ منه /سبعة/ أجزاء أو أكثر، بقدر ما يعجز أي بصير عن ذلك، ويحثه على ذلك حب العلم والاطلاع وطموحه في تدرج المراتب.

يحمل مصحف برايل