«مهنة الداية ورثتها عن والدتي التي تعلمتها من زميلاتها، وبعد أن أقعدها العجز وأصبحت لا تستطيع الذهاب إلى منازل سكان القرية، كان علي أن أحمل عبء هذا العمل بحكم العادة التي تورث للولد مهنة آبائه، وتابعت هذه المهنة الشريفة حتى وقت قريب عندما أصبحت لا أستطيع الوقوف بسبب التقدم بالسن». بهذه الكلمات بدأت السيدة "فاطمة سليمان الناعم" "أم إبراهيم" حديثها عندما التقاها موقع eIdleb وأضافت قائلة:

«ولدت في مجتمع ريفي فقير وكان هذا حال جميع سكان قريتنا، ونشأت على محبة الناس والإحسان إليهم وكان هذا من أهم العادات الاجتماعية السائدة في معظم القرى وكنت أرافق والدتي في عملها، حيث كانت الداية الوحيدة في القرية والقرى المجاورة ونتيجة مرافقتي لوالدتي لعدة سنوات جعلني أعشق هذه المهنة، فتعلمت عن والدتي هذا العمل الإنساني.

كان بالقرية امرأة يقال لها "أم سعدو" وكنا لا نفترق أبداً فأصبح أهل القرية يقولون "أم سعدو" و"أم دعدو" وبقي هذا اللقب يرافقني حتى هذا الوقت

وبعد أن تجاوزت والدتي الخامسة والسبعين عاما وأقعدها الكبر كان أهالي القرية يأتون إليها فلا تستطيع الذهاب معهم وخصوصا في الليل فكان أهل القرية يتوسلون لي لكي أذهب معهم بدلا من أمي فكان يدعوني واجبي الإنساني ومحبتي لأبناء قريتي أن أذهب معهم. وبعد أن توفيت والدتي أصبحت الملاذ الوحيد لكل نساء القرية ولا سيما في أمور الحمل والإنجاب، فكنت أنا الطبيبة وأنا الداية وأنا الممرضة وكانت نساء القرية يزرنني في فترة الحمل وخصوصا في الشهر السابع أو الثامن لكي يعرفن ماذا سيولدن فكنت أضع كفي على يمين بطن المرأة فإذا كان بطنها قاسياً فذلك يعني أن المولود ذكر وإذا كان بطنها طرياً ومنتفخاً بعض الشيء كان المولود أنثى».

ام دعدو مع أحفادها

وعن طبيعة العمل الذي كانت تقوم به أثناء الولادة تقول: «كنت أبقى متكفلة بالمولود منذ اللحظة الأولى لولادته حتى نهاية الأسبوع الأول من ولادته فكنت أقوم بتغسيله وريحنته وغسل ثيابه وملابسه ومراقبته في الفترة الأولى من الولادة، وذلك لكي أتأكد من أنه سليم ومعافى. وعندما يصبح الطفل قادر على الرضاعة وتكون والدته استردت عافيتها كان ينتهي عملي».

وتضيف: «كنت أشعر بالسعادة الكبيرة ولا سيما بعد أن تعودت على هذا العمل وأصبحت مهنتي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأني كنت أعتبر هذا العمل خالصاً لوجه الله تعالى وأشعر بالفخر لأني أقدم خدمة لهؤلاء الناس البسطاء الطيبين، فعندما كان يدق بابنا في الليل كنت أسرع إلى منزل المرأة التي تلد غير مبالية بصعوبة الذهاب ووعورة الطريق. وكنت عندما أشعر أن حالة الولادة سوف تتعسر معي أقرأ "المعوذات" و"قل هو الله أحد" وبعض الأدعية التي تصلح لمثل هذا الموضع والحمد لله لم تتعسر طوال حياتي أي من حالات الولادة».

وتتابع القول: «كانت بعض الأسر الميسورة في القرية يعطونني في بعض المرات أجراً بحسب ما يتوافر معهم من سيولة، وكان البعض الآخر يعطيني مما لديه من "رمان" أو "تين" أو "زبيب" أو "قمح"، أو من بعض ما جادت لهم أراضيهم وحيواناتهم. أما بالنسبة لي فلم أكن أطلب من أي أحد شيئاً، لا أجراً نقدياً ولا سوى ذلك بل كنت في بعض الأحيان أعطي من هذه الهدايا لبعض الأسر المعدمة عندما كنت أحضر لتوليد نسائها».

وأما عن تسميتها "أم دعدو" فتقول: «كان بالقرية امرأة يقال لها "أم سعدو" وكنا لا نفترق أبداً فأصبح أهل القرية يقولون "أم سعدو" و"أم دعدو" وبقي هذا اللقب يرافقني حتى هذا الوقت».

يشار إلى أن السيدة "فاطمة سليمان الناعم" "أم دعدو" من مواليد قرية "سرجة" وتعتبر أكبر الناس سنا في قريتها فهي من مواليد عام /1885/ حسب ما هو مذكور في بطاقتها الشخصية ولديها أكثر من /120/ حفيداً وهي في حالة صحية جيدة وذاكرتها قوية حيث تستطيع معرفة جميع أحفادها وأولادها ولو كانوا مجتمعين في وقت واحد.