رغم تجاوزه التسعين عاماً إلا أنه لم يفقد همة الشباب وعزيمتهم فهو يذهب لزيارة أبناء قريته ولأداء صلاته في مسجد القرية ويخرج إلى الأرض التي تربى فيها ورواها من عرق جبينه.

بالإضافة لكل ما سبق فهو يحمل ذاكرة مليئة بذكريات وحكايات الماضي حيث السهرات التي كانوا يمضونها على سراج الزيت ولعبة الخاتم. "الحاج سليمان فتح الله" الذي التقاه موقع eIdleb بتاريخ /26/1/2009 في منزل أحد أحفاده ليحدثنا عن سنواته التسعين التي قضاها في جو مليء بالسعادة والمرح، والتي لا تخلو من المواقف الطريفة حيث بدأ حديثه قائلاً: «ولدت في هذه القرية ولم يكن فيها سوى /25/ بيتاً حتى أن أهلها لم يكونوا يستطيعون تأدية صلاة الجمعة في القرية لأنها لا تكتمل لقلة عدد الرجال الموجودين فيها فكنت أذهب مع والدي لصلاة الجمعة في القرى المجاورة.

بعد أن توفي جدي المختار انتقلت المخترة إلى عمي ولم يبق طويلا فأصبحت مختار هذه القرية منذ بداية الستينيات، وكان همي الوحيد إرضاء الناس وتسيير مصالحهم، وأفضّل ذلك على مصلحتي الشخصية فقدمت ما أستطيع من أجل تحسين الوضع الخدمي والاجتماعي في القرية

ورغم بساطة العيش وقلة الرزق في تلك الأيام، فقد كان الناس في سعادة تفوق سعادة هذه الأيام بكثير، لأن رب الأسرة كان همه أن يجمع مؤنه الشتاء في فصل الصيف وهذا كل ما يبتغيه فكانت القرية تعتمد على الزراعة ومن أهم زراعاتها الحبوب من "قمح" و"شعير" إضافة إلى أشجار الزيتون التي كانت منتشرة بشكل كبير كما إن وادي "شنان" كان يزرع فيه أشجار الرمان حول النبع الذي يجري من العين الرومانية في وسط القرية، فكان الناس في تعاون دائم مع بعضهم البعض في الأعمال بدءاً بـالزراعة ومروراً بـالحصاد واستخراج الحبوب وتخزينها فكل عائلتين أو أكثر يتعاونون على أعمالهم لعدة أسباب ومن أهمها خلق روح الجماعة في القرية وإنجاز العمل في وقت قصير بدلاً من أن يقوم كل شخص بعمله منفرداً».

الحاج سليمان مع ابنه وحفيده

وعن وسائط النقل التي كانت لديهم يقول: «كان التنقل والذهاب إلى المدن عن طريق الدواب أو مشياً على الأقدام فكنا نذهب إلى "أريحا" أو "معرة النعمان" لقضاء حاجاتنا من الأسواق وبيع ما ننتج من مزروعات ومنتجات من الحيوانات التي نربيها وغير ذلك حيث كانت النساء يحملن على رؤوسهن اللبن والجبن ويذهبن إلى بيعه في أسواق المدن القريبة.

ومن الأشياء الطريفة أن أحد الأشخاص في القرية كان قد عُزم على الذهاب إلى "أريحا" فاستيقظ في الليل في وقت مبكر على صياح الديوك دون أن يعرف الوقت فحمل دابته وذهب إلى "أريحا" وعند وصوله لم يجد أحداً في السوق والمساجد مغلقة فعلم أنه جاء من منتصف الليل فهكذا كانت بساطة الناس».

الحاج سليمان في منزله

أما عن سهراتهم التي كانوا يمضونها في فصل الشتاء يقول: «كانت تجتمع كل أبناء القرية عند أحد البيوت، ويقومون بألعاب وتسالي على ضوء "سراج الزيت" حيث كان الوقود هو الزيت ومن هذه الألعاب لعبة "الخاتم" حيث يقوم أحد الشباب بتقطيع رغيف من خبز التنور بالسكين إلى /12/ قطعة ويوضع تحت أحدها قطعة من الورق ويطلق عليها اسم الخاتم فمن يخرج هذا الخاتم تحت قطعته يكون هو صاحب الحظ في هذه السهرة ومحط اهتمام الجميع حيث يتبادلوا على خدمته وتقديره لأنه هو صاحب الخاتم».

ومن حكايات الثوار في "جبل الزاوية" يقول الحاج "سليمان": «عندما كنت صغيراً كان الثوار يأتون إلى منزل جدي الذي كان مختار القرية وعلى رأسهم المجاهد "مصطفى الحج حسين" لتجنيد أبناء القرية في الثورة ضد الفرنسيين وفي أحد الأيام جاء الثوار وبعد دخولهم البيت بفترة قصيرة جاء نبأ وصول الفرنسيين فخرج الثوار في السفح الشمالي لوادي "شنان" فبدأ الفرنسيين بإطلاق النار عليهم ولحقوا بهم فكمن الثوار لهم في منطقة تسمى "الحوران" في الطرف الشمالي للقرية وكانت أسلحتهم تقليدية بسيطة "سيوف" و"خناجر" و"بنادق" قديمة فاشتبكوا مع الفرنسيين في تلك المنطقة وقتلوا منهم الكثير واستشهد أحد أبناء قريتنا واسمه "علي الحورية" وعاد الفرنسيين بعد فترة لتأديب الثوار والانتقام لقتلاهم في المرة الماضية فاشتبكوا مع الثوار في "وادي الضبع" الذي يقع بين قرية "سرجة" وقرية "شنان" وكانت خسائر الفرنسيين كبيرة حتى أنه بقي الوادي لمدة شهر كامل تخرج منه روائح كريهة نتيجة تفسخ جثث الفرنسيين».

ويضيف: «بعد أن توفي جدي المختار انتقلت المخترة إلى عمي ولم يبق طويلا فأصبحت مختار هذه القرية منذ بداية الستينيات، وكان همي الوحيد إرضاء الناس وتسيير مصالحهم، وأفضّل ذلك على مصلحتي الشخصية فقدمت ما أستطيع من أجل تحسين الوضع الخدمي والاجتماعي في القرية».

كما التقينا الأستاذ "محمد فتح الله" مدير مدرسة القرية وحفيد الحاج "سليمان" الذي يقول عن جده أنه مازال يعتبر علماً من أعلام القرية والمنطقة وهو شخصية محبوبة لدى أبناء القرية لما قدمه لهم من خدمات ومنها شق طريق إلى القرية عن طريق العمل الشعبي كما ساهم في بناء المسجد وكان له مساعٍ طيبة في خدمة أبناء القرية إضافة إلى كرمه حيث لا يخلو بيته من الضيوف ليوم من الأيام.

ويشار إلى أن الحاج "سليمان" لديه أكثر من مئة حفيد ويستطيع معرفتهم جميعاً ولو حضروا في وقت واحد.