حينما آمن أن العلم والمعرفة ليست حكراً على أحد، وتيقن أن الحياة ركيزتها، هدفٌ لا بد أن يتمثله أي إنسان يسعى لأن يكون له في الحياة شعلة موقدة تنير لهُ درباً لم يكن فقد البصر عائقا له، وذلك لأن البصيرة أمدها الله بإصرارٍ ما بعده إصرار..

هذه هي عناوين الحياة للشاعر "الكفيف" "حسان شيخ نجيب" الذي التقاه موقع eIdleb في مكان عمله بمستشفى "الرازي" بمدينة "حلب" وذلك بتاريخ (20/12/2008)م، ولتكونَ سيرته الذاتية بكلماتهِ حيث سردها قائلاً: «ولدتُ كفيفاً، ومنذ صغري كنتُ أتبع الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة وفي قلبي شوق كبير لدخولها، وحين سمعت بالمؤسسة النموذجية للمكفوفين بـ"حلب" شدني إليها حبي الكبير للعلم فانتسبت إليها سنة (1985)م، وأنهيت فيها الصفين الأول والتحضيري بسنة واحدة، حيث تعلمنا فيه طريقة "برايل" (الكتابة النافرة)، وأيضاً الصفين الثاني والثالث في سنة واحدة. حصلتُ على الثانوية العامة سنة (1995)م، ثم التحقت بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة "حلب" وأتممتها بـ (4) سنوات، وبعدها حصلت على دبلوم الدراسات العليا بمعدل جيد جداً عام (2000)م، وتمهيداً للماجستير كنت الأول على زملائي في المعهد الاستشاري خلال دورة اللغة الأجنبية المؤهلة للماجستير، وأعمل الآن في مقسم مستشفى "الرازي" بـ"حلب"..».

طموحي يتجسد بحصولي على الماجستير –إن شاء الله- ومن ثم الدكتوراه، وأن أعمل في نفس اختصاصي

أما عن العوامل التي ساعدته على أن يستمر في المثابرة لبلوغ هدفه.. يقول الشاعر "شيخ نجيب": «أكثر شيء كان يدفعني للتعلم هو حبي للغة العربية، كنت ولا أزال أعشقها، أعشق النحو والإعراب، أحب أن أدخل في تفاصيل البلاغة، ولذلك كان تخصصي في الدبلوم هو (دبلوم الدراسات اللغوية)، هذا كله كان يقودني للغوص في أعماق مفردات القرآن الكريم، حيث كان هذا هو همي الوحيد في صغري، والدافع الآخر هو تقوية لغتي الشعرية وهو ما قد يكسبني أسلوبا شعريا معينا، فعندما تأخذ بزمام اللغة لن تستعصي عليك أساليبها اللغوية».

السيد "حسان" مع مراسل eSyria في مشقى الرزاي

أما عن أول قصيدة موزونة، كاملة شعريا؛ فنياً؛ لغوياً يقول: «هذه كانت في الصف السابع سنة (1990)م، وكنت أيامها أعاني من سن المراهقة، إضافة إلى مسائل أخرى لا أقول الكآبة، وإنما التشاؤم، لكون الشباب الذين في سني يلعبون ويمرحون وأنا محروم من ذلك فقلت حينها:

أأبقــى هكــذا يومــي كئيــبُ

وعيشـي طعمـهُ لا أستطيبُ

أرى الدنيــا قد اسودت أمامي

عجيبٌ أمرُ دنيــانا عجيــبُ

فيا من ترقبــون أمـور عيشـي

ألاقيتــم كما ألقـى؟، أجيبــوا

وهذهِ القصيدة أسميتها (أجيبوا)، وهي جاءتني صبيحةَ يوم عيد، حينما كان التكبير لصلاة العيد في المساجد..».

وعن أسباب اختياره للخوض في غمار الشعر وكتابته يضيف: «أذكر أنني كتبت مقدمةً لقصائدي المدونة في دفتري – وهذا الكلام كان قبل الثانوية- كتبتُ قائلاً: الشعر هو المرآةُ الصافيةُ الصادقةُ التي تعكس على صفحتها خلجاتِ نفس الإنسان ولواعجهُ، ومكنونات عواطفه. أكتب الشعر لحاجة في نفسي، وإفراغاً لما في داخلي. الطفل حينما يكون صغيراً تراه يكثر من اللعب، واللعب هو الذي يفرغ الشحنات أو الطاقة التي تتفجر منه، وأنا أشعر بأن الشعر هو الذي يفرغ طاقاتي لأني أبث فيه كل ما أريد».

أيام الجامعة والتي لا يزال الشاعر "حسان" يحتفظ بذكراها يقول: «وأنا في الدبلوم كان عندنا دكتور اسمه "محمد أنطنجي"، حيث كان يدرسنا (الاقتراض والانقراض اللغوي)، وحين وصلنا إلى دراسة ألفاظ القرآن الكريم ذكر الدكتور "أنطنجي" أن هناك في القرآن الكريم (86) كلمة من "المُعرّب" وهي ليست عربية، فقلت له حينها ما رأيك أن أنظمها في قصيدة؟، فقال لي: هل تقدر؟، أجبته: إن استطعت فذلك من الله، وإن لم أستطع فمن نفسي، وفعلا اعتكفت عليها يومين كاملين حتى أنجزتها، وكتبت قصيدة من الرباعيات تعتمد على هذه الكلمات الـ (86) بدأتها بمقدمة وخاتمة، قلت في المقدمة:

الحمد لله باري الكـون والبشــرِ

ثم الصلاة على المبعوث في الضـفرِ

هذا المُعرّب في القرآن أنظمهُ

شعرا، كما تفعل الأسلاك في الدرر

وقلتُ في الرباعية الأولى:

يَــس، طَــهَ، كياقوتٍ ومرجانِ

طوبى بعدنِ وقسطاسٍ ورحمانِ

على الأرائك في الفردوس متكئٌ

والزنجبيل مع الكافـور كفلانِ

وفي اليوم الثالث أعطيتها للدكتور، وطربَ بها طرباً شديداً، وقال أنه سينزّلها في كتابه ولا أدري إن نزلتْ أم لا..».

البصرُ والبصيرة، وعملية الإبداع، وعن الرابط بينهما يقول: «أنا لا أقيسُ الحياة بمقياس إنسان مبصر وآخر غير مبصر، بل إنسان مبدع وآخر غير مبدع، الله سبحانه وتعالى لم يجعل الإبداع حكراً على أهل البصر، ولا على أهل العمى أيضاً. العنصر الأساس هو أن يكون في حياتك هدف تسعى إليه، أن تعرف أنك خلقت لهدف وأن تسعى لتحقيقه بما يجعلك رفيعاً بين قومك، وأن تضفي بصمتك الخاصة على الحياة، وأنا أرى أن الإنسان إذا لم يصنع شيئاً في الحياة، فهو لا شيء..».

وبالحديث عن الطموح يختم الشاعر "حسان شيخ نجيب" حديثه بالقول: «طموحي يتجسد بحصولي على الماجستير –إن شاء الله- ومن ثم الدكتوراه، وأن أعمل في نفس اختصاصي».

بقي أن نذكر أن الشاعر "حسان شيخ نجيب" من مواليد عام (1974)م، قرية "حاس" التابعة لـ "معرة النعمان"، متزوج وله ولد وبنت.