صورتُهُ، مازالت في ذاكرة الكثيرين حين كان يحمل الكاميرا ذات القوائم الخشبية الطويلة ليقف ورأسه داخل الكيس الأسود، طالباً منّا الثبات وعدم التحرك ريثما يلتقط لنا صورنا.

إنه "محمد محمود زنبلكجي" "أبو محمود" أقدم مصور في منطقة معرة النعمان، وقد كان يجوب القرى إما متنقلاً بدراجة نارية أو سيراً على الأقدام حاملاً الكاميرا على كتفه من مدرسة إلى أخرى.

هذه الصورة لمحمود، وهو طبيب أسنان مقيم في السعودية مع زوجته الطبيبة أيضاً، وعندي غيره ثمانية أبناء) تزوج معظمهم وبقي في المنزل إثنان

"أبو محمود" كما يحب أن نناديه تحدّث لموقع eIdleb أثناء اللقاء به في 4/11/2008م في محل التصوير الذي مازال يعمل به إلى اليوم في مدينته المعرة قائلاً: «أنا من مواليد/ 1949م/ بدأت العمل مع والدي وأنا في السادسة من العمر، وكان رحمه الله أول من أدخل الكاميرا إلى المعرة عام /1933م / وخلال فترة قصيرة تعلمت المهنة وأصبحت قادراً على تحميض الأفلام بالأبيض والأسود.

وبدأت أتنقل من قرية إلى أخرى أحياناً سيراً على الأقدام وأحياناً أستأجر دراجة نارية، حيث كانت السيارات شبه معدومة، وأذكر مرة كيف حملت الكاميرا التي تزن حوالي عشرين كغ، ومضيت إلى قرية "جرجناز" الواقعة شرق "المعرة" بعشر كيلومتر تقريباً، وكنت وقتها في الثانية عشر من العمر وحين دخلت إلى المدرسة قلت للمعلمة الحلبية أن كلفة الصورة الواحدة ليرة سورية، وبالفعل بعد أن أنهيت تصوير التلاميذ ناولتني خمساً وعشرين ليرة فضية، وحين شاهد والدي المبلغ فرح كثيراً فقد كانت العائلة على كبر حجمها لا تصرف أكثر من ليرة ونصف في اليوم».

وتابع "أبو محمود": «في عام/1967م/ أصيب والدي بشلل جعله طريح الفراش، وكان عليّ وأنا كبير إخوتي أن أقوم بالواجب تجاههم وتجاه والدي ففتحت محلاً للتصوير بعد أن تركت المدرسة، وبدأت العمل محترفاً، كانت كاميرا الماء هي آلة التصوير الوحيدة حتى عام/ 1974م/ اشتريت كاميرا أستديو أبيض وأسود، وبعت الكاميرا القديمة لمتحف "المعرة"، وهي موجودة إلى اليوم، وتلك الكاميرا كانت خاصة بالتصوير داخل الاستديو حيث تحتاج إلى إضاءة كهربائية وأما التحميض والتكبير فيتم يدويا».

سألناه ماذا عن التصوير الملون؟ فأجابنا بالقول: «الصور الملونة كان علينا أن نرسل الأفلام إلى "حلب" بسيارة خاصة تجمعها من محلات التصوير، وبعد تجميعها في "حلب" يتم نقلها إلى بيروت، ويستغرق تحميض الفلم الملون حوالي الشهر تقريباً وأحياناً أكثر من شهر. وفي عام/ 1978م/ اشتريت كاميرا ملونة بعد أن أصبح تحميض الصور الملونة يتم في حلب واستمر الأمر حتى دخلت الكاميرا الديجتل، وأصبح التصوير متطوراً بحيث أصبح كل محل تصوير بحاجة لكمبيوتر فكان علينا أن نواكب العصر، ولا أخفيك لولا ولدي "عبادة" لتوقف العمل في الأستديو فأنا لم أستطع التعامل مع الكمبيوتر، لذلك سلّمت أمر طباعة الصور لعبيدة».

وحين سألنا "أبا محمود" عن أسرته أشار بفخر إلى صورة شاب بجانبه قائلاً: «هذه الصورة لمحمود، وهو طبيب أسنان مقيم في السعودية مع زوجته الطبيبة أيضاً، وعندي غيره ثمانية أبناء) تزوج معظمهم وبقي في المنزل إثنان».

"أبو محمود" الذي حمل أمانة والده في تربية أخوته كحمله للآلة الأمينة في التقاط تعابير الوجوه العابسة والباسمة، لم يكن يستطيع أن يرى صورته دون نظارات سميكة، لقد أضعفت مهنة التصوير بصره لكنها حفرت عميقاً صورته في ذاكرة سكان منطقة المعرة.