قد يبدو الأمر مستحيلاً لكن مع "أبو ياسر" لا مستحيل، و"أبو ياسر" هو اللقب المعروف به السيد "جمعة المحيميد" المستخدم السابق في مدرسة "سلة الزهور" الابتدائية والذي روى قصته لموقع eIdleb بتاريخ 11/8/2008 قائلاً:

«لم أعرف ما هي المدرسة بحكم طبيعتنا الريفية أما دراستنا فكانت في مجالس الكتّاب نتعلم قراءة القرآن وعند إنشاء المدرسة دخلت في الصف الرابع حتى السادس ولم أكن أهتم بالدراسة أو المدرسة وبعد ثلاث سنوات تزوجت ولم يكن باستطاعتي سوى التفكير (بمصروف البيت) وعلى هذا الأساس عملت مستخدماً في المدرسة بتاريخ 17/12/1970 أقوم بتلبية أوامر المدير والمعلمين، ولم أكن أحب طبيعة هذا العمل وبخاصة عندما أراهم جالسين في الصفوف الدافئة وأنا أعمل تحت المطر والبرد كنت أقول لنفسي "لك بشو هنن أحسن منك" وعندما أعود إلى البيت كنت أنسى كل شيء. وطوال ثلاثة عشر عاماً وأنا كما أنا وفي إحدى المرات جلست مع أحد المعلمين أشكو إليه حالي وهو السيد "عابدين خضير" وهو نقيب المعلمين في "جسر الشغور" حالياً والذي طرح عليّ فكرة متابعة الدراسة فكانت كلماته (الشرارة) التي غذّت ما بداخلي».

رغم أنني لم أقتنع في بداية الأمر إلا أنني أشعر بالفخر

وتابع السيد "جمعة" قائلاً: «وهكذا اشتريت الكتب وبدأت بالدراسة للشهادة الإعدادية وبدأت المعاناة، صعوبة دراسة، وعمل، وسماع كلمات السخرية من بعض أهل القرية فأثناء قدومي ذات مرة من المدرسة سمعت أحد رجال القرية يقول لي بسخرية: (أشو يا.... سمعنا بدك تصير دكتور). لكن رغم كل الصعوبات تابعت الدراسة ففي عام /1983/ تزامن حصولي على الشهادة الإعدادية مع مولد طفلي الخامس. وازدادت الأمور تعقيداً، خمسة أولاد من جهة، و(كلام الناس) من جهة، والشهادة الثانوية من جهة أخرى

لكن الحصول على الشهادة الثانوية هو الهدف الذي وضعته أمام عينيّ ولابد من المتابعة، ففي سنة /1985/ لم أنجح وهنا بدأ المجتمع المحيط بالتعليق (لك أنت موظف ليش توجع قلبك) وكنت أسمع المعلمين في المدرسة يقولون (فرح على حالو وأخد التاسع، مفكر البكلوريا سهلة) ولكن كل ذلك كان يزيد من إصراري حتى عام /1987/ حققت الحلم ونجحت في امتحان الثانوية العامة الفرع الأدبي بمجموع /119/درجة وبددت كلام الناس».

و يمضي "أبو ياسر" في حديثه: «فور حصولي على الشهادة راجعت مدير تربية "ادلب" للنظر في أمري وعينني ككاتب في مديرية التربية (موظف من الدرجة الثانية بعدما كنت درجة خامسة). وبعد ظهور قانون العاملين الموحد وبناءً على شهادتي عملت معتمدا للرواتب في "جسر الشغور" ثم ندبت كمشرف لمحو الأمية ومديراً لتعليم الكبار وما زلت إلى الآن».

كما التقينا الأستاذ "عابدين خضير" والذي حدثنا عن حماس "أبو ياسر" قائلاً: «كنت في تلك الأثناء معلماً وكيلاً ولاحظت حماسه ومراقبته للمعلمين والمعاناة التي يمر بها، كان يملك الأمل وتنقصه الشجاعة وأنا من المعجبين بإصراره».

أما زوجته فتقول: «رغم أنني لم أقتنع في بداية الأمر إلا أنني أشعر بالفخر».

ومن الجدير بالذكر أن السيد "جمعة المحيمد" هو من مواليد /1953/ قرية "المنطار" التابعة لمنطقة "جسر الشغور". ويشرف حالياً على أكثر من (40) قرية في المنطقة الشرقية من "جسر الشغور" في برنامج محو الأمية للكبار.