الحاج (مصطفى قنطار) من مواليد بلدة عين لاروز عام /1912/م مازال رغم تقدمه بالسن يقوم كعادته بجولات في أرضه ويقوم ببعض الأعمال البسيطة.

لم يبقَ أحد من أصدقائه أو من أبناء جيله على قيد الحياة، وهو أكبر أبناء بلدة عين لاروز سناً حدّثنا العديد من القصص، فذاكرته القوية تختزن الكثير من الحكايات عن ثورات جبل الزاوية، وما فعله أبناء الجبل بالمحتل الفرنسي، وكذلك عن قصص البلدة وحكايته مع العمل الذي كان يمضي إليه راكباً قدميه. "(كان في القرية سبع مداخن) أي تسكنها سبع عائلات في عام /1930/م، وأضاف تعلمت الكتابة والقراءة على يد الشيخ، فختمت القرآن وكانت أجرة الشيخ ليرة ذهبية عن كل ختمية".

كان أبي معروفاً من قبل الكثيرين من سكان الجبل، وقد زارنا في هذه (العلّية) أكثر من مرّة إبراهيم هنانو وابنته التي كانت لا تترك البارودة من يدها أبداً لقد كان والدي وأخي جميل مع "الجته" أي الثوارالذين يحاربون الفرنسيين مع مصطفى حاج حسين قائد ثورة جبل الزاوية، وأذكر مرة أن ثمانية من الجنود الفرنسسين قدموا إلى القرية فظن بعض الجته أن وراءهم حملة كبيرة ففروا إلى شعاب الجبل استعدادا للمواجهة إلا مصطفى حاج حسين أبى أن يهرب وحمل سلاحه، وهجم عليهم كالأسد، وكنت أمشي خلفه فشاهدت كيف خرّ الفرنسيون راكعين على ركبهم، وأخبروا مصطفى أنهم من المغرب، وقد أتوا إليه ليهرّبهم من الفرنسيين، وقد قام بذلك كما علمت فيما بعد، ويتابع الحاج مصطفى قنطار حديثه عن سفره الدائم للعمل وليس من وسيلة نقل تنقله سوى قدميه، ولمسافات طويلة قائلاً حين تم إلقاء القبض على أبي وأخي جميل، وسجنهما في إدلب من قبل الفرنسيين كنت أذهب لزيارتهم من عين لاروز إلى أريحا إلى إدلب سيراً على الأقدام "والمسافة تصل إلى سبعين كيلومتر ذهاباً ومثلها في طريق العودة"، ومرة عملت مع صديق لي ببيع (السلور) فكنا نمضي إلى (العشارنة) كل صباح، لنشتري أربعين كيلو سلور، ونحملها على ظهورنا ونعود سيراً قاطعين الانحدار القاسي لجبل الزاوية أثناء الذهاب، ومتسلقين الجبل كالماعز أثناء العودة، وقد كنا نشتري كيلو السلور بربع ليرة ونبيعه بليرة.

وفي موسم الحصاد كنّا نقطع الطريق إلى شرق سكة الحديد سيراً على الأقدام "وهي تزيد عن الخمسين كيلومتر، وكانت أجرة الحاصد لا تتعدى المجيدي "وبعدين صارت الأجرة ورقة، وباكي زرقة، ودفتر شام، وشخاطة أم حصان"، ومرة مشيت من الفطيرة إلى كنصفرة إلى البارة إلى أريحا إلى إدلب وهي تزيد عن 100كم.

لقد أصبح السفر إلى إدلب مع الزمن لا يعني لي شيئاً فقد اعتادت أقدامي السفر خاصة أن وعورة الجبل جعلتنا نعتمد فقط على الأقدام.

"يا دموع العين جاري فوق وجناتي جاري

ليش تبكي ياعيوني خبروني إيش جاري"

بعد أن غنى بيت العتابا أخبرنا الحاج أنه تزوج مرتين وكان الزواج الأول 1932م وأنجبت له ولد وثلاث بنات ثم توفيت، فتزوج ثانية عام 1968م. الحاج قال مقارناً بين الماضي والحاضر أن الحياة تطورت كثيراً فقد وصل التطور إلى مراحل لم تكن تخطر ببال أحد، وأضاف أنه يمضي النهار متنقلاً بين أشجارالكرز والزيتون وفي المساء يشاهد التلفاز ريثما يؤذن العشاء فيصلي وينام وهذه عادة قديمة حيث كانت صلاة العشاء تعتبر آخر عمل نقوم به قبل النوم، أما أبناء اليوم فيسهرون لأوقات متأخرة جداً، وهذا يسيء لصحتهم فالمثل يقول تابع الحاج (نام بكير وفيق بكير وشوف الصحة شلون بتصير).