"عملت في معمل كازوز، وفي معمل ألبان، وفي نقل الرمل والبلوك والبناء، وفي مشتل زراعي غربي إدلب، وقدمت الشاي والقهوة في مطعم يقع على الطريق الواصل بين حلب والرقة.

نلت المرتبة الأولى في الشهادة الإعدادية على مستوى محافظة حلب وكتبت، حينها، جريدة الجماهير عن تفوقي. كنت أذهب إلى المدرسة قبل أن يذهب المستخدم، فأجلس أمام الباب حتى يصل ويفتح باب المدرسة. أربعة كيلومترات كانت تفصل منزلنا عن المدرسة، وكنت أقطعها سيراً على الأقدام".

بكثير من العطف والحب، لذلك الطفل المكافح والمثابر في آن معاً. تحدث طبيب القلبية (أحمد الأقرع)، وهو الأكثر شهرة في محافظة إدلب، وصاحب مشفى الأقرع الشهيرة في مدينة كفرنبل عن طفولته، ومراحل دراسته الأولى أثناء لقاءنا به حيث قال: "بسبب عمل والدي في سلك الشرطة، كان تنقلنا مستمر من محافظة إلى أخرى، حيث درست الإبتدائية في حماة، وانتقلنا إلى حلب، وكانت وفاة والدتي المبكر قبل أن أصل العامين من العمر بعد أن تركتني مع شقيقتين سبب زواج والدي الثاني، وهذا ما زاد من عدد أفراد الأسرة، حيث وصلت أسرتنا إلى أحد عشر ولداً وبنتاً فكان مرتب والدي القليل لا يكفي لمصاريف هذه الأسرة الضخمة".

ويبتسم د. (أحمد) متابعاً "في الصيف كنت مضطراً للعمل من أجل تأمين مصاريف الدراسة، وقد عملت أثناء المرحلة الإعدادية في العديد من الأعمال، وراح يعددها مبتسماً، من عامل لنقل الرمل إلى (شغيل في معمل كازوز، وشغيل معمل ألبان) وصنعت القهوة والشاي في أحد مطاعم الطريق الواصل بين حلب والرقة. كانت المدرسة بالنسبة لي هي الحياة، ولأن المنزل الذي نسكنه في حي الكلاسة في حلب ضيقاً فقد وجدت مسجد الحي مكاناً ملائماً للدراسة، حيث الهدوء والسكينة فكنت أتردد إليه بشكل يومي. في عام (1972م) نلت الدرجة الأولى على مستوى محافظة حلب في شهادة الكفاءة، وفي الثانوية العامة تابعت العمل حتى حصلت على شهادة الثانوية، ودخلت كلية الطب فكان لابد من البحث عن عمل مناسب، فلم أجد إلا التعليم، فعينت معلماً وكيلاً لتدريس مادتي العلوم والرياضة، ومن خلال الدخل الذي وفرته لي هذه الوظيفة تابعت دراسة الطب، ونلت معدلاً(جيد جداً 79.9)، والكتاب (التشخيص التفريقي في الأمراض الداخلية) الذي ألفته مع الأطباء عباس زغنون، جمال شعار، عبد الناصر كعدان، وبإشراف الدكتور علي حداد وطبع ( 1980 م) مازال حتى الآن معروفاً عند الأطباء، وقد فوجئت أثناء الاختصاص في مشفى تشرين بمعرفة أغلب الأطباء له، ولكن لم يكتب لي أن أكمل دراساتي العليا لأسباب تتعلق بالقائمين على هذا الموضوع في ذلك الوقت، فعدت مع العائلة إلى كفرنبل، ولم يكن والدي وقتها يملك منزلاً فاستدنت له مبلغاً من المال لبناء غرفتين وبدأت بالعمل كطبيب فكانت أول عيادة لي في (كفرنبل) في (دكان عبد العزيز الموسى في سوق الخميس)، وبدأت شهرتي تتسع في المنطقة، والحمد لله. أكملت الاختصاص الطبي في مشفى تشرين ( 1989م)، وأساتذتي مازالوا يذكرونني إلى اليوم.

وفي عام (1996م) بدأت العمل في هذا المشفى (مشفى الأقرع) الذي يضم كلّ الأقسام الجراحية، إضافة إلى ست عيادات وأربع أجهزة إيكو وخمس حواضن. أفضل ما يميز المشفى هو الإسعاف السريع جداً، لوجود الأطباء بشكل دائم في المشفى، ونحن نلاحق كلّ ماهو جديد في مجال الأجهزة الطبية ونتعاقد لشرائها، ولهذا نال هذه الشهرة الواسعة. أما عن أسعار العلاج نحن ندرك وضع الناس الاقتصادي، ونتعامل معهم على هذا الأساس".

أخيراً أبعدنا الله جميعاً عن هذه المشفى، وعن غيرها، وعن معاينة الدكتور أحمد الأقرع.