(وينك يا أبو نصّ لسان، لمْ هالزبالة).يتحدث محسن اليونس عن المعاملة القاسية التي لقيها من أبناء قريته، لا لعمله وحسب، بل لشخصيته البسيطة الطيبة.

(بعض الأطفال كانوا يقذفونني بالحجارة، والبعض كان يسخر مني كما الكبار، وكنت أتحمّل كل ذلك، لأنني على يقين بأن الله مع الصابرين).

محسن اليونس من مواليد /1979/م قرية حاس الواقعة غربي معرة النعمان بثمانية كيلومترات.

بخطواته المتعثرة الخجولة، وبكلماته المتقطعة يأتي محسن إلى المركز الثقافي في معرة النعمان كلّ مرة، ليستعير كتاباً عن أحد شعراء العربية، أو ما يخصُّ مواضيع الأدب العربي، ولطريقته بالحديث التي تعتمد على التناوب بين فمه ويده، حيث أنّ كلّ كلمة تحتاج إلى وضع اليد على الصدر مع طأطأة الرأس؛ ليكون سامعه راضياً عنه، أما حين يمشي فيلتفت يميناً وشمالاً، لخوفه من منتقد، أو من متذمر من وجوده، مما جعل منه محطّاً للتساؤلات، وأحياناً للسخرية.

في أحد اللقاءات، سألته عن عمله فأجاب: " عامل تنظيفات في بلدية حاس".

وما حاجتك بهذه الكتب؟ "لأنني أدرس الأدب العربي(سنة رابعة)، إجابته أدارت بوصلة مشاعري إلى جهة الاحترام والتقدير لهذا الشاب، وخاصة حين راح يسرد قصته مع العمل "كونه متزوج، وأب لطفلين، ومن أسرة فقيرة، ولا يحمل سوى شهادة الإعدادية عيّن عامل نظافة، ولأنه صاحب (نصّ لسان)" كما يقول، ويسخر منه الكثيرون قرر أن يدرس الثانوية العامة، "كنت بعد العمل الطويل والشاق، أسهر حتى ينام الجميع، لكوني أسكن في غرفة وحيدة من منزل الأهل، فأنكب على كتب البكلوريا.حصلت على الشهادة ومجموع (170)علامة، ودخلت قسم اللغة العربية، والحمد لله أنا من المتفوقين في الجامعة، وإنشاء الله سأتابع حتى نيل شهادة الدكتوراة".

"أبو نصّ لسان سيصبح دكتور في الأدب العربي" والكلام لمحسن، الذي يقول جملته بفخر وبسخرية من المجتمع، ولكن (يتابع): "أحياناً من حسن حظ بعض الناس أن يسخر الآخرون منهم، لأن ذلك سيحرضهم ويدفعهم للنجاح الحقيقي".

محسن سوّى هندامه، وعدّل جلسته حين صارت الكاميرا قبالة وجهه، معلقاً "أنا لا أهتم كثيراً بالثياب، لأن الثياب لا تصنع إنساناً محترماً, بل بالعلم وحده يُصنع الإنسان". ولأنّ اللقاء في المركز الثقافي فقد عبّر أبو سعيد نائب رئيس المركز عن إعجابه بمحسن، وذكر أنّه كثيراً ما أتى إلى المركز حاملاً طفلته، ليتسنى لزوجته القيام بأعمال المنزل ـ أمّا محسن فقد أكد :"لم يعد الناس كالسابق يسخرون مني بل أصبحت نظراتهم مليئة بالاحترام، وأردف :"والله لم أتضايق يوماً لسخريتهم، لأنَّ الله ساعدني على أن أجعل من تلك السخرية محرّضاً ودافعاً نحو العلم، وبت أمتلك إرادة قوية للوصول إلى شهادة الدكتوراة".

أخيراً على الرغم من أنّ محسن مازال على رأس عمله في تنظيف شوارع حاس إلا أنه غير آبه بسخرية الناس أو خجل من كلامهم بعد أن وصل إلى هذا المستوى من التعليم الذي يجعل الكثيرين إن لم يكن الجميع يسخرون من هذا العمل في حال وصولهم إلى مستوى محسن التعليمي والثقافي.