«الغربة صعبة مهما حاول الإنسان أن يعتاد عليها، لذلك أشتاق إلى بلدي وأتلهف للعودة إلى ربوعه الغالية كلما سنحت لي الفرصة». تلك الكلمات الفياضة بالحب والمشاعر الصادقة نطق بها المغترب "محمود دشلي" وهو يحدثنا عن حياته في المغترب الذي يعيش فيه على الضفة الثانية للبحر المتوسط. بلاد الفلسفة والمسرح والجمال إلى بلاد اليونان التي قدمت عصارة فكرها وفنها إلى كل العالم.

وعلى مدار إحدى وعشرين سنة استطاع المغترب "محمود دشلي" أن ينخرط في المجتمع اليوناني قدر المستطاع من خلال عمله في مجال البناء، فحمل معه مواهبه في الغناء والرياضة ليغوص في تفاصيل المجتمع اليوناني فجال في كل المدن اليونانية ولكنه أحب جزيرة "كريت" وخاصة مدينة الكاتب الكبير "نيكوس كزنتزاكي" صاحب روايات: "زوربا" و"المسيح يصلب من جديد" و"الإخوة الأعداء" فاستقر في مدينته التي يسمي أهلها كل شيء باسمه. وكان لموقع eIdleb هذا الحوار مع المغترب "محمود دشلي":

  • كيف تعيش في بلاد الغربة وما إحساسك اتجاه الوطن؟
  • "محمود دشلي" مع الفنان "صبري مدلل"

    ** أولا هناك بالنسبة للمغترب الهم الأول هو العمل أما إحساسي اتجاه الوطن وأنا في الغربة فهو إحساس المحب الذي يتلهف دوما للقاء الحبيب فتبقى سورية في قلبي هي أغلى بلاد العالم لأن الغربة صعبة مهما حاول الإنسان أن يعتاد عليها. لذلك أشتاق إلى بلدي وأتلهف للعودة إلى ربوعه الغالية كلما سنحت لي الفرصة.

  • متى كانت أول زيارة "لليونان"؟
  • أمام قبر "نيكوس كزنتزاكي"

    ** في البداية ذهبت على أساس سياحة لمدة شهر في العام 1989 بعد فترة تحولت إلى إقامة دائمة ثم تأقلمت مع الجو العام وأصبحت أعرف بعض اللغة. وأكثر عملي كان في البناء. باعتبار أن أي إنسان إن لم تكن شهادته من اليونان حتى ولو كانت أعلى شهادة أو إذا لم يكن خريج أوروبا لا يستطيع أن يعمل إلا في مجال البناء أو السياحة فعشت في مدينة "إيراكيو" المدينة التي ولد فيها الكاتب الكبير "نيكوس كزنتزاكي" وهي تسمى مدينة "نيكوس". مرة سألتني صاحبة البيت التي أعمل عندها: «ماذا تسمع من أنواع الموسيقا؟»، فاحترت في الإجابة ماذا أقول لها أسمع أم كلثوم أو عبد الوهاب؟. فقلت لها أنا أسمع السيمفونيات "لبيتهوفن" فاستغربت وقالت: سوري وتعرف "بيتهوفن"، وهم لم يسمعوا بسورية بشكل كبير في ذلك الوقت، الطبقة المثقفة فقط تعرف سورية وقلت لها إنني قارئ "لنيكوس" حتى ذلك الوقت لم أكن أعلم أنه مدفون في هذه المدينة فقالت لي: «قبره هنا في مدينة "إيراكيو" ويبعد عن بيتي 1كم»، وكنا على سطح الطابق الثاني فأشارت صاحبة البيت إلى البعيد وقالت: هناك قبره. بنفس اليوم ذهبت مباشرة وشاهدت قبره ومن شدة احترامهم له عملوا قبره مزاراً لكل السياح.

  • ما إحساسك عندما أصبحت أمام قبر "كزنتزاكي"؟
  • "محمود دشلي" في أثينا

    ** أذكر أنني وقبل أن أسافر إلى اليونان بخمسة عشر يوماً وكنت على ما أذكر عند الصديق "خالد جمالو" فشاهدت عنده رواية "المسيح يصلب من جديد" أو "زوربا" لا أذكر بالضبط، وبدأت أقرأ في الرواية حتى الصباح. وبعد أشهر قليلة أجد نفسي أصبحت أمام قبر الرجل. هذا إحساس لا يوصف بعدها تعرفت على رجل إنكليزي أرمني ومقيم في اليونان من خلال العمل وبيته في وسط البلد بجانب فرن، وهو الفرن الذي تحدث عنه نيكوس في رواية زوربا. قال لي هذا الرجل وهو مهتم بالتاريخ وخاصة تاريخ اليونان وعلى اعتبار أنه يحمل الجنسية اليونانية واسمه "كيفورك أزريان" وأبوه رسام على مستوى عالمي وهو خريج "بوسطن" ودرس في جامعات أمريكا وإنكلترا وجاء إلى لبنان وسورية وله أقرباء أرمن في سورية. وقال لي إن هذا هو الفرن الذي تحدث عنه نيكوس في رواية زوربا.

  • ما المدن الأخرى في اليونان التي تركت أثرا في نفسك؟
  • ** طبعا "أثينا" كثيرا، من خلال الأكروبول الشهير وهو من المعالم التي تترك أثرا في نفس أي زائر يراها، ومدن تاريخية ما قبل الميلاد وما زالت قائمة وحية مثل مدينة "أسوس" حاليا وكان اسمها "مينوس" وهي في جزيرة كريت واسم الملك "ميناس" و"صولون"، ومن أغلى الذكريات على قلبي أنني التقيت المطرب المشهور "صبري مدلل" صديق الوالد وعندما قلت له أنا ابن المنشد "محمد أديب دشلي" رحمه الله سرّ كثيرا وأخذنا صورة تذكارية بعد الحفلة وكان معه عازف العود الشهير "محمد قدري دلال".

  • ما أهم الأعمال التي قمتم وتقومون بها كجالية سورية في اليونان؟
  • ** خلال إقامتي الدائمة في جزيرة كريت أصبح لي علاقات مهمة وواسعة مع اليونانيين والعرب، بالنسبة لي أنا هوايتي الموسيقا والرياضة وعملنا فريقا عربيا واشتركنا في أكثر من بطولة وإحدى البطولات وصلنا للمباراة النهائية وكان الفريق عربيا ولكن باعتبار أن المدينة التي نعيش فيها أكثر الجالية فيها من السوريين فكان أكثر أعضاء الفريق من السوريين وكان معنا اثنان مصريان وواحد جزائري. المصري اسمه "جمال عزب" والجزائري اسمه "وردي" وكان معنا "محمد حاج قدور" من سورية من نفس بلدي "بنش" وشكلنا الفريق في العام 1999 واسمه "الذهب24" حتى يثير الاسم الانتباه وصلنا للمباراة النهائية، والفريق الخصم من مدينة "أنويا" واسمه "أنويا" الشوط الأول كان 4/0 فتضايقوا مني كثيرا وكنت رئيس الفريق فكسروا رجلي وبقيت أربعة أشهر في الجبس ومن وقتها تركت الرياضة الحقيقية وكان صاحب البطولة فريق يوناني شهير والفائز يزور فرنسا على حساب فريق "أرغوكلي" المشرف على البطولة وبنفس الوقت لاكتشاف اللاعبين الموهوبين لضمهم لفريقه وهو ناد من الدرجة الأولى حاليا في اليونان أي من المحترفين وهم شاهدوا مقدرتي ولكن عمري تجاوز الحد المسموح به للعب بشكل احترافي.

    وخلال الحرب على غزة قمت بالحصول على تصريح من السلطات اليونانية للقيام بمظاهرة للتنديد بالأعمال الوحشية التي ارتكبتها اسرائيل في حربها على "غزة" وأخذت الموافقة من اتحاد العمال اليوناني المسؤول عن المظاهرات وتنظيمها واتحاد العمال يأخذ الموافقة من الجهات الأمنية. لأن المظاهرات دائما يتخللها بعض أعمال الشغب والتخريب وأخذت الموافقة باسم الجالية العرب السوريين لأننا سنخرج في المظاهرة وكانت لمدة ساعتين وسمحوا لنا لمدة ساعتين ولكننا بقينا طوال ثلاث ساعات وخرج معنا الكثير من اليونانيين وكنا نهتف بالعربي واليوناني وأهم الهتافات مثلا "الحرية الحرية لأهل فلسطين" وكان في المظاهرة بعض الدبلوماسيين العرب وأذكر منهم القنصل الفلسطيني وقد حضرت المظاهرات الأربع وإحدى المظاهرات كانت كبيرة وغطت وسط البلد في جزيرة "كريت" وكانت اللافتات بالعربي واليوناني. وسألتني إحدى الصحفيات لماذا خرجتم في هذه المظاهرة؟ فقلت: لماذا أنت خرجت؟ أليس من أجل أن تغطي المظاهرة؟ أنا خرجت بشكل عفوي وكل من خرج في هذه المظاهرة خرج بشكل تلقائي أنظري كلهم يبكون من أجل ما يحصل في غزة من عدوان، ولنعبر عن شعورنا. ما تشاهدينه وترينه ألم يحرك فيك شيئاً؟. كل هؤلاء خرجوا بشكل تلقائي. خرجنا لنعبر عن شعورنا هذا هو السبب.

    يذكر أن "محمود دشلي" من مواليد "بنش" عام 1963 درس في كلية التاريخ بجامعة حلب ولكنه لم يتابع دراسته وكان لاعبا مميزا في كرة القدم فلعب لنادي أمية ونادي العمال في إدلب وهو من عائلة تشتهر بحلاوة الصوت فهو ابن المنشد الشهير الشيخ "محمد أديب دشلي".