بعد أربع وعشرين سنة قضاها في بلاد الغربة، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية- التي كانت تعتبر حلم الملايين من الشباب، للسفر إليها والعيش في جنتها المزعومة- عاد "باسل قبيعة" إلى زيتون "إدلب" حيث مرابع الطفولة التي لم تفارق ذاكرته يوماً، كما قال، وأظهر فرحته الكبيرة بالعودة إلى البلد في حديث أليف ودافئ مع موقع eIdleb.

حيث أجاب المهندس "باسل قبيعة" عن أسئلتنا في الحوار التالي:

  • كيف كان إحساسك وأنت في الغربة بعيدا عن وطنك، وأهلك؟
  • المغترب العائد "باسل قبيعة"

    ** كنت أحس بأنني كالفطر الجميل ولكن بلا جذور، وكانت نفسيتي تمرّ بكل المراحل التي يمرّ بها المغترب من ذكريات وشوق واحساس بالوحدة والغربة عن المجتمع الأمريكي، ففي بداية حياتي كنت أعرف أمريكا من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات، ولكن الواقع كان مختلفا فقد أحسست ومن خلال يوم واحد أنني مجرد رقم أكثر من كوني إنسان له وجود وكيان، وعندما حصلت عل الجنسية الأمريكية صار لي رقم شبيه بالرقم الوطني هنا، فلا أحد يتعرف عليك إلا من خلال هذا الرقم ويكون التعامل معك من خلال هذا الرقم الذي يدل عليك، فكلّ شيء مجرد من العاطفة سواء أكان ذلك في العمل أم في السياحة أم في الدراسة، وهذا الأمر من أهمّ سمات المجتمع المادي، لأنّه لا يحسب أي حساب للمشاعر والعواطف.

  • في أي ولاية كانت إقامتك، وكيف كانت علاقاتكم مع العرب هناك؟
  • المغترب "باسل قبيعة" و"أنيس بدوي" في مقهى الريحاني

    ** كنت في ولاية "ميتشيغان" شمال "الولايات المتحدة الأمريكية"، والحقيقة أنّ هذا البلد يعطيك بلا حدود ولا قيود، ولكن في المقابل تلتزم بكلّ شيء تقدمه أو تطرحه وتكون مسؤولاً عما هو مطلوب منك، أي باختصار أنت آلة في مصنع كبير، وعلى الرغم من وجود أجمل المتنزّهات والحدائق وأماكن التسلية واللهو، ولكن كنت دائما أحنّ إلى اللعب تحت أشجار الزيتون كما كنت أفعل أيام الطفولة، ولا مجال للمقارنة فالارتباط العاطفي بمسقط رأس الإنسان يجعله يراه أجمل بقعة على سطح الأرض، أمّا العلاقة بين المغتربين وخصوصا العرب في أمريكا فهي على الشكل التالي: العرب في أمريكا نوعان: الأول جسده هناك وروحه هنا في وطنه، والثاني موجود في أمريكا قلبا وقالبا، ويعتبر نفسه أمريكيا، وبعد الحادي عشر من أيلول بدأت مرحلة جديدة، فمن كان يظنّ أن أمريكا وطنه استيقظ على كابوس مروّع، إنها مرحلة جديدة أخرجت الموتى من قبورهم وظهرت الكذبة الكبرى التي أطلقتها أمريكا بأنها بلد الميعاد لكلّ الشعوب والأعراق والأديان، وعملت على صهر الجميع في بوتقة حب أمريكا، وبأنها أزالت بينهم الفوارق والاختلافات السياسية والمذهبية، وبأن الناس كلهم سواسية، ولكن اتضح بعد أحداث أيلول كذب أمريكا، وبالنسبة لي كنت أعيش في مجتمع نسبة العرب والمسلمين تزيد على خمسة وأربعين بالمئة في مدينة اسمها "ديربون" كنت مرتاحاً من الناحية النفسية في أماكن تحسّها قريبة من روحك والعرب يتوافدون من كلّ الأماكن وترى الفلسطيني يأكل في المطعم اللبناني والمصري يتواجد مع السوري فتراهم اجتمعوا في كل شيء إلا عندما تحضر السياسة فتراهم قد تفرقوا فهم مع الأسف جلبوا معهم تناقضاتهم السياسية إلى بلاد الغربة إن كانوا على صح أو خطأ، وأذكر أيام الحرب على غزة كنا نقول للإخوة المصريين إن غزة تموت أين أنتم؟ أين مصر أم الدنيا؟ فيكون الجواب نسخة طبق الأصل عن جواب السلطة في مصر، حتى في رمضان والعيد هناك ثلاثة أيام أو أربعة أيام فالتناقض كبير بين العرب، وخارج هذه التجمعات الكبرى هم بعيدون عن التفاعل فيما بينهم وهم مثل السياح يأتون ويجلسون في المقاهي ويتبضعون ومن ثم يذهبون.

  • ألم يكن هناك تجمعات أو جمعيات عربية استطاعت أن تشكّل قوى فاعلة في المجتمع الأمريكي؟
  • ** كانت هناك محاولات فردية وجماعية بسيطة ضمن النطاق القطري مثل "الجمعية السورية- الأمريكية" و"الجمعية المصرية- الأمريكية" و"الجمعية العربية للتمييز"، وهي الأهم بين الجمعيات التي تتميز بالفاعلية والمصداقية، وكانت تتكلم باسم كلّ عربي ومسلم وبعد أحداث أيلول أصبحت تتكلم حتى باسم السود المظلومين ودخلتها كفاءات على درجة عالية من المعرفة في المجتمع الأمريكي واللعبة الإعلامية الأمريكية، وأصبحت على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فتعرضت لضغوط كبيرة بسبب مواقفها، ولكنها استطاعت أن تتواصل مع الأمريكيين والإعلام الأمريكي ومع المغتربين الذين تمثلهم، وأصبح لها مكانا دائما في غرفة الأخبار ومن محاولاتها المثمرة في الضغط على أصحاب القرار الأمريكي استطاعت أن تجبر "جورج بوش" أن يأتي إلى أكبر مسجد في نيويورك، ويجلس فيه ويقول: "الإسلام ديانة سماوية متسامحة"، ثم بدأ الإعلام يتكلم عن الإسلام أنّه شيء قيّم ويذكر أن رئيس الجمعية هو الكاتب "نهاد عوض".

  • ترى هل انكسر حلمك في الولايات المتحدة الأمريكية فقررت جبره بالعودة إلى سورية؟
  • ** الإنسان كلما تقدّم في العمر تتوسع خبرته ومداركه، ويحسّ بالأشياء بشكل أكبر مع أن هذه المسلمات ليست بهذه القداسة واليقينية فعندما سافرت كان حلمي أن أحصل على شهادة جامعية وأنخرط في مجال الأدب والفن، ولكن بعد ذلك رأيت أن ليس لدي الوقت لأن أقرأ وأكتب، فالحلم شيء ضبابي يختلف في كلّ مرحلة من مراحل الحياة، فقبل سبع سنوات من عودتي إلى سورية كان حلمي أن أعود إلى الوطن، ولكن اكتشفت أنني مثلما تأقلمت مع المجتمع الأمريكي كلّ هذه السنوات، يجب علي أن أتأقلم مع مجتمعي هنا بعد أربعة وعشرين عاما قضيتها في الغربة وهذه مسألة ليست سهلة كما تصورت والحلم أصبح أن أتجذر هنا حتى لا أفكر في يوم ما أن أعود إلى أمريكا، وأنا في طور بناء هذا الحلم، ومازلت أذكر كلام والدي الذي قال لي ذات يوم "يا بني أمريكا إما أن تكون قبرا أو تكون لك قصراً"، ولكني كنت فيها مجرّد آلة، لذلك حرصت على أن أتزوج من الوطن، وأبنائي كان لهم الدور الرئيسي في عودتي إلى "إدلب" ولاسيما أنهم مازالوا صغارا ولم يدخلوا المدارس الأمريكية، ويجب أن يدرسوا هنا ويتربوا التربية الصالحة على المبادئ والأخلاق الأصيلة، ويتأسسوا كما تأسست أنا، ولكون زوجتي من هنا فقد دعمت قراري بالعودة إلى الوطن.

  • ماذا تمثل لك "إدلب" وكيف تراها؟
  • ** هي كأس ماء بارد بعد عطش شديد في صحراء قاحلة، هي البلسم الشافي بعد ألم فظيع، هي النور الذي كنت أراه في نهاية النفق، "إدلب" هي حياتي التي عادت لي بعد موتي في الغربة.

    أخيراً نذكر أن السيد "باسل قبيعة" من مواليد إدلب عام 1965، وهو مهندس في مجال الكمبيوتر والبرمجيات، ويعمل حاليا في مجال العمارة، ويحلم أن يفتتح معهداً لتدريس برمجيات الكمبيوتر مع أخيه الدكتور "عصام قبيعة" الذي مازال مغتربا في ألمانيا.